الزهراء مستودع السر الإلهي
 الملاحظ لأحاديث الرسول 
 وأهل بيته  
 يجد أن للزهراء 
 منزلةً ساميةً لايوازيها أحد من العالمين ـ سوى والدها وزوجها صلوات الله عليهم  ـ كما يجد المتتبع تركيزاً من رسول الله 
 على فضيلة الزهراء 
 ورفعة شأنها وإليك بعضاً من هذه الأحاديث  ..
 قال رسول الله 
 : ( إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى  لرضاها ) 
 وقال 
 : ( إن الله تعالى إختار من  النساء أربع مريم وآسية وخديجة وفاطمة )
 وقال 
 :( إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذُرّيتها على النار )
 وقال 
 : (فاطمة بضعة مني من سّرَّها فقد سرَّني ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز الناس عليّ )
 وقال 
 : ( إن إبنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً )
ونتساءل عن السر وراء هذا التركيز ؟ 
وما هو السبب الذي يجعل الزهراء 
 محور البيت النبوي ؟
 وما الذي يجعل منها مستودعاً للسر ؟  
ولعلنا لانحظى بإجابة شافية عن ذلك ، فلعلَّ في دفنها سراً وبقاء قبرها مجهولاً إلى اليوم إشارة إلى عدم إمكان الوصول إلى كامل المعنى ، وتمام المغزى من وراء ذلك ، لكنَّ ذلك لا يحول بيننا وبين تلمّس بعض الإجابة عن هذه الأسئلة الحائرة .
 
 إجابات قاصرة :
 لعلَّ المتتبع لأحاديث النبي وأهل بيته  
 والباحث في سيرتهم ، مع مزيدٍ من التأمّل يجد أن بعض السر وراء كل هذا الإحتفاء بشخصية الزهراء يكمن في الأسباب التالية :
 أولاً : الشخصية الإيمانية التي جسّدتها صفات السيدة فاطمة  
وسيرتها الذاتية ، والتي أهّلتها لتكون خير أهل الأرض ـ بعد أبيها وبعلها ـ عليهما السلام ـ  وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، فهي الوليدة التي فتحت عينها على نور الرسالة بعد بعثة النبي 
 ، فنشأت في حجر سيد المرسلين ، وغذتها إمرأة  من خيرة النساء والتي قام الدين على نصرتها و هي السيدة خديجة 
، ثم واكبت الزهراء  
مسيرة الدعوة حانيةً على أبيها 
 لتكون له ـ رغم صغر سنها ـ نعم المواسي ، فكانت ( أم أبيها ) ، تمسح عنه الآم الدعوة ، وتزيح عن كاهله أعباء الرسالة .
 وحين بلغت الزهراء 
 مبلغ النساء تزوجت نصير النبي الأول الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، علي بن أبي طالب
 ، الذي تحمّل ما تحمّل في نصرة الدين مجاهداً بسيفه أعداء رسول الله
 ، والذي لولاه لما كان لفاطمة كفءٌ على وجه الأرض ، ثم أنجبت منه سبطي هذه الأمة ، الإمامين العظيمين الحسن والحسين عليهما السلام ، سيدي شباب أهل الجنة والّذَين إنحصرت فيهما ذرية الرسول 
 ليصدق بذلك الوعد الإلهي ﴿ إناّ أعطيناك الكوثر ﴾ . 
 أضف إلى كل ذلك مجموع الفضائل والمناقب التي ميّزت الزهراء 
 ، من زهد وإنفاق وعبادة وعلم وتقوى و...... ، مما سيوافيك بعضه خلال الصفحات القادمة .
 نعم هي حياة قصيرة في عمر الزمن ، لكنّها حافلة بكل معاني الإيمان والتقوى والفداء والتضحية ، لتكون الزهراء  
بذلك المثل الأعلى والنموذج الأكمل للشخصية الإيمانية .
 
ثانياً : 
تشكل الإمامة ـ في مفهومنا الديني ـ الحلقة الأهم التي تتم بها رسالة النبي 
 فهي الإمتداد الطبيعي للدعوة وكمال الدين وتمام النعمة ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾  ، ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها وهي لاتخلو من وجود إمام يحتج الله به على عباده ظاهراً كان أم مستتراً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
 هذا المفهوم الذي ركّز عليه الرسول 
 بعباراتٍ مختلفة ومناسبات شتى أبرزها قوله 
  ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )  ، وبيعة الغدير ، وحديث الدواة والقرطاس ، وهو المفهوم الذي جسّده أمير المؤمنين 
 كإمام قبل وبعد خلافته ، ثم تحمله أبناؤه 
 واحداً تلو الآخر ، إلى أن يأذن الله لوليه الإمام  الثاني عشر المهدي ( عجّل الله فرجه ) بالظهور ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً . وكانت فاطمة  
مصدر هذا المبدأ ، فهي الكوثر الذي نبع منه معين الإمامة ، وتربى في كنفه الإمامان  الحسن والحسين ـ عليهما السلام  ـ ، فكان التركيز على شخصيتها وعلى مكانتها تركيزاً علىهذا المفهوم ، وحلقةً في سلسلة هداية الأمّة إلى هذا الركن الوثيق ، والعروة الوثقى ، والصراط المستقيم . 
      وقد كان للسيدة الزهراء  
 ، بعد وفاة النبي 
 الدور الأبرز في الدفاع عن مفهوم الإمامة المتجسّد في خلافة الإمام علي بن أبي طالب 
 لرسول الله 
 بلا فصل ، داعيةً الأمة للعودة للمعين الصافي ، والنبع الأصيل ، لكن الأمة رفضت الخيار الإلهي ولجأت إلى خيارها ـ إلا من عصم الله ـ .
 
ثالثاً : 
 تشكل  الأيام القصيرة التي عاشتها الزهراء  
 بعد وفاة النبي 
 أيام المحنة والألم  في حياتها ، فهاهي ترى الأمة تبتعد عن نهج رسول الله 
 وهو لايزال مسجّى في فراش موته ، لم يغسّل ولم يكفن بعد ، وتحاول ـ عليها السلام  ـ إعادة الحق إلى نصابه بالدعوة تارة وبالإحتجاج أخرى ، وراحت تعلن غضبها وسخطها على جملة المهاجرين والأنصار ، الذين لم يحفظوا رسول الله  ( ص ) فيها ( والمرء يحفظ في ولده ) .
 فمع أنها كانت إبنته الوحيدة ـ حينذاك ـ ، والأمة لاتزال قريبة عهد به 
 ، إلا أن ذلك كله ـ مضافاً إلى توصية الرسول (ص ) بها وأحاديثه عنها ـ لم يشفع في الإنتصار لدعوة الزهراء 
 ، بل إنها راحت تكابد آلام فراق النبي 
 مشفوعةً بآلام جحد النص ، والبعد عن المنهج القويم الذي خطه 
 . 
 فكان الحديث عن الزهراء 
 حديثاً عن مظلومية النبي 
 والأذى الذي لحق به من أمّته حيّاً وميّتاً ، وإبرازاً للمعاناة التي عاناها أهل بيته بعد فقده ، والحديث ذو شجن ..... 
 هذه بعض الأسباب  والإجابات القاصرة التي يمكن أن تشكل سبباً يجعل من الحديث عن شخصية الزهراء 
 مورداً للتركيز من قبل النبي 
 وأهل بيته  
، وما خفي علينا من كرامتها عند الله ومنزلتها أكبر من كل ذلك ، لا تستوعبه أفهامنا ، ولاتطيقه عقولنا ، إدّخره الله لها في عرصات القيامة ومواقفها ، حين تتكشف الحقائق وترفع الحجب .
 وهذا ما يجعل الباحث عن سيرة الزهراء 
 حائراً فيم يكتب ومن أين يبدأ ، ولعلنا نوفّق في المستقبل إلى بحث أكثر تفصيلاً عن حياتها وسيرتها ، وقد سبق القول ، أن الميسور لايسقط بالمعسور ، فجاءت هذه الصفحات المتواضعة شاهدة على قلّة البضاعة ، نرفعها إلى مقام ولي الله الأعظم الإمام المنتظر شاهدين على أنفسنا بالعجز والتقصير .... 
  ﴿  يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ (88) سورة يوسف     





