مكانة القرآن في واقعنا المعاصر

شبكة مزن الثقافية

تحدث سماحة الشيخ غازي شبيب الشبيب «حفظه الله» في مسجد الغريري بمنطقة أم الحمام في خطبة الجمعة بتاريخ 8 رمضان 1425هـ الموافق 22أكتوبر 2004م (حسب تقويم ام القرى) عن مكانة القرآن الكريم في واقعنا المعاصر وما يوليه المسلمين من اهتماما ورعاية فائقة في التسابق لحفظه وتفسيره وتلاوته... كما كان المسلمون كذلك على مر العصور السابقة الذين تعاهدوا بتلاوته وقراءته وحفظه وتفسيره والبحث في علومه واستخراج كنوزه ومعارفه.

حيث تطرق سماحته «حفظه الله» لقضية التشكيك والمزايدة على ابناء الطائفة الشيعية حول التعاطي مع القران الكريم واصفاً هذه الحالة بانها وليدة لفكر مريض وسقيم، مستشهداً بتاريخ الشيعة ورجالاتها الحافل بالعناية والاهتمام بكتاب الله العظيم، واخيراً الأهتمام الواضح لكتاب الله تعالى في المنطقة عبر تكوين اللجان القرآنية التي تشكلت في «القطيف وتوابعها» والتي دعا سماحته المؤمنين إلى دعم هذه اللجان والوقوف إلى جانبها.

 فيما يلي بعض مما جاء في كلمته:

بسم الله الرحمن الرحيم

بدأ كلامه بالآية الكريمة ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً (9 الإسراء) ثم قال: أن القرآن الكريم هو النص الوحيد الذي يربط البشر بخالقهم، وليس هناك نص على وجه المعمورة يمكن الوثوق به بأنه من عند الله غير القرآن الكريم، وقد واجه الرسول الأكرم  الكثير من تشكيكات كفار قريش وغيرهم الموجهة للقرآن،
وما واجهه القرآن من حملا ت شرسة منذ صدر الإسلام وإلى الآن لا يكاد أن يوصف إلا أن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظه حيث قال عز شأنه ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .

والمسلمون على مر العصور تعاهدوا القرآن بالتلاوة والقراءة والحفظ والتفسير والبحث في علومه واستخراج كنوزه ومعارفه, وفي عصرنا الحاضر يولي المسلمون اهتماما ورعاية فائقة في التسابق لحفظه وتفسيره وتلاوته.. غير أن ما يؤسف له هو أن هذا الكتاب الذي يعتبر الحبل المتين الجامع لكلمة المسلمين أخذت بعض الفئات تُزايد على الأخرى في تعاملها وتعاطيها مع القران وكأن كتاب الله العزيز نزل لهم لوحدهم فقط دون غيرهم..

بل أن البعض تمادى في اتهامه للآخرين وقال أن الشيعة لا يهتمون بالقران ولا يولوه الرعاية الكافية ولا يحفظونه, وأوغل أكثر في تماديه وغيه حتى ادعى أن للشيعة قران أخر غير هذا القران الموجود في أيدي المسلمين!!!

وهذا لا يمنع من وجود فئات منصفه لا تبخس الناس أشياءهم وتعلن بكل صراحة قناعتها بان لدى المسلمين بجميع فئاتهم ومدارسهم ومذاهبهم المختلفة اهتماما بالغا بالقران دون النظر إلى تنوعهم واختلافهم.

ثم قال سماحته: أن التشكيك آو المزايدة على الشيعة في تعاطيهم مع القران هي وليدة لفكر مريض وسقيم، فكر لا يقبل بالآخر، ومدرسة قد ضيقت جنة الله التي عرضها كعرض السماوات والأرض, ومنهجية قد ادعت الحق واحتكار الحقيقة فهم فقط على حق وصواب والآخرون على خطأ وضلال.

ثم أردف قائلا: أننا ينبغي علينا أن نتأمل جيدا في مثل هذه الدعوات ولا نغتر بشكلها ومظهرها وان تلبست بأفضل وأجمل الصور, وما يزيد الأسى هو أن بعض الأفواه من داخل إطارنا انخدعت بهذه المقولات وأصبحت تكررها من الداخل، والعقل يدعونا إلى التأمل وتحليل مثل هذه الدعاوى والتدقيق فيها ولنسأل ممن صدرت مثل هذه المزايدات؟ ولماذا؟ وهل بالفعل نحن كذلك؟

وإننا لو دققنا النظر لوجدنا أن أغلب العلوم القرآنية تأسست على أيدي أمينة من أصحاب الأئمة الطاهرين، بل القراءات المشهورة نجد أن اغلبها قراءات لرجال قد حسبوا على التشيع وحتى أشهر القراءات وهي رواية حفص بن عاصم وهي المشهورة بين جميع المسلمين هي قراءة شيعية فعاصم الكوفي بن أبي النجود احد الشيعة وقد قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي صاحب أمير المؤمنين، وقد نص الشيخ الجليل عبد الجليل الرازي المتوفى بعد سنة 556هـ... بأن التشيع كان مذهباً لأكثر أئمة القراءة كالمكي والمدني والكوفي والبصري.

ثم أن أول من وضع نقط المصحف وحفظه عن التحريف أبو الأسود الدؤلي صاحب أمير المؤمنين ، وقال عبد الواحد بن علي أبو الطيب اللغوي في كتاب«مراتب النحويين»:

أبو الأسود أول من نقط المصحف وقال جلال الدين السيوطي في كتابه «المطالع السعيدة» أن أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفاً واحداً في خلافة معاوية... وقيل أن يحيى بن يعمر العدواني تلميذ أبي الأسود هو أول من نقط المصحف، وأيهما كان فلا فرق لأنهما من الشيعة بالاتفاق.

وليس المقصود من ذكر هذا هو المزايدة على الآخرين وإنما وضع الأمور في موازينها والرد على من انتقص اهتمام فئة كبيرة من المسلمين بكتابهم العزيز، وهذا ليس مقصوراً على التاريخ الماضي، بل حتى على تاريخنا المعاصر نلاحظ أن أتباع المذهب في كل مكان يرعون القرآن بالتلاوة والحفظ والتفسير، ولديهم حفظة لكتاب الله أبهروا العالم بأسره بقدرتهم الفائقة على حفظ أدق التفاصيل وأصغرها من بين الدفتين.

وعلى مستوى التفسير فمن علمائنا المعاصرين من أفنى حياته وعمره الشريف في خدمة كتاب الله كالعلامة الطباطبائي «رضوان الله عليه»، وقد كتب تفسيراً للقرآن هو من أهم التفاسير في العالم الاسلامي وهو تفسير «الميزان».

وقد كتب آية الله السيد محمد الشيرازي «رضوان الله عليه» تفسيراً مختصراً للقرآن وآخر مفصلاً أسماه «تقريب القرآن إلى الاذهان»، وآية الله السيد المدرسي كتب تفسير «من هدى القرآن»، وآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل».

وكتب آية الله السيد الخوئي «قدس سره» كتاب «البيان في تفسير القرآن» وجاء بمقدمة في العلوم القرآنية هي من اروع وأدق ما كتب في هذا الجانب وكذلك الشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الصدر فقد كتب «بحوث في علوم القرآن» وهي مجموعة دراسات كتبها بقلمه من أجل تدريسها في كلية أصول الدين ببغداد، ثم طبعت على شكل كتاب تحت عنوان «علوم القرآن».

وبعد هذا فإن الانسان ليعجب كل العجب من انتقاص هذه الفئة من المسلمين وبخسها حقها.

وفي الآخير ختم الشيخ الشبيب حديثه بالدعوة إلى الوحدة والالتفاف حول كتاب الله العزيز فهو الحبل المتين الجامع لكلمة المسلمين فلا ينبغي لأحد أن يزايد على الآخرين في مستوى التعاطي معه، وأشار أخيراً إلى اللجان القرآنية التي تشكلت في المنطقة «القطيف وتوابعها» ودعا إلى دعمها والوقوف إلى جانبها.