التهور.. و الاستهانة

 تعاني بعض المجتمعات من التهور.. و الاستهانة في أمور خطيرة جسيمة.
أرأيت الذي يقال له: "احذر عند تعاملك بالكهرباء .. سيصعقك". فيقول: فليكن!! كأن الحديث عن لدغةِ نحلةٍ لا عن موتٍ محتَّمٍ، وتيتُّمِ أطفالٍ وترمل نساء. 

  • وتجد تجليات هذا التهور والاستهانة في كل مكان: 

- من عامِل بناءٍ لا يلتزم بتعليمات السلامة..
- و سائق سيارةٍ يرى قوانين المرور مضيعة للوقت..
-  و جندي يرى الانسحاب التكتيكي عاراً..
-  و سائحٍ يتجول في مناطقٍ خطرة رغم تحذيراتٍ بالموت او الجريمة ..
-  و شابٍ يمازِحُ صديقه باطلاقةٍ رصاصٍ فيُرديه قتيلاً.. 
- و مريضٍ يترك مراجعة الطبيب عند أعراض المرض حتى يُحمل ميِّتا ..
 - و مجتمع يعايش الفساد و عصابات الجريمة  المنظمة و يتركها تتسلل الى السلطة..
 - أو يتهاون تجاه  انقلابٍ او احتلال .. 

 والشعار دائماً: "عمي شيريد يصير!"

والأدهى أن يغلَّف ذلك بعنوان "الشجاعة" فتدرَّس الأجيال عليه، فيسمى المجتمع المتهوِّرَ شجاعاً والحذر جباناً.. فيدفع الناس نحو الأخطار مغرراً إياهم بالجهل.

أقول: هذه ثقافة خطرة على الانسان والمجتمع معاً.. لأنه يُعرِّض الى انتكاساتٍ عديدة، وحوادث يمكن تجنبها بسهولة. وهي "ثقافة" .. لأنها تجدها في شعبٍ و تفتقدها في أخرى، وكأي ثقافةٍ خاطئة، يمكن معالجتها بالتعليم والتثقيف الصحيحين.

  • والحل: 

تغيير النظرة، تربوياً وتعليمياً، بجعل "الحذر" لحفظ النفس و المال والعرض، قيمة أساسية وأمراً محموداً.. والتهوّر تعريض للنفس والآخرين للخطر، فهو قبيحٌ ومحرَّم.. 

 وتعليمهم أن للشجاعة تعريفها و محلها:

فليست الشجاعة في حركاتٍ بهلوانية، أو اهمالٍ للصحة، أو تهاونٍ في السياسة، أو تقصيرٍ في حفظ النفس والعرض والمال: بل الشجاعة في كلمة حقٍ أمام سلطانٍ جائر، أو في موقف صارم تجاه فاسِقٍ او ظالم .. 

والشجاعة.. أنَفَةُ النفسِ عن الذُلِ، والسخاءُ بها وقتَ الحاجة .

والشجاعة.. في كفِّ النفس عن التعدي عند القدرة، تحديداً عند غلبة الجهل و الجاهلين في نزاعاتٍ عشائريةٍ او اجتماعيةٍ او سياسية .. لأن تغليب الحلم على الجهل، شجاعة.

والصدق – قولاً وفعلاً- شجاعة.. والكذب – بكافة صوره – جُبنٌ و لؤم.

وهكذا .. يكون للشجاعة موضعها، وللحذر موضعه. و كما أنَّ الحذر ساعةَ الشجاعة جُبن، فإن الشجاعة ساعة الحذرِ تهوُّرٌ و طيش.

أما من يتهوَّر ساعة الحذر، بدعوى "الشجاعة".. وقوله "شيريد يصير" .. سيعلم – لا سامح الله- أن الذي يصير به، سيكلِّف شخصه وربما مجتمعه .. الكثير!