الجَمــال في القــرآن الكــريـم

قــراءة وصفــية (1)

  1. الغرض من البحث:

لعلّ وريقات قليلة كهذه لا تكفي للإلمام بموضوع متشعّب يعنى بدراسة الجمال في القرآن الكريم، خصوصاً إذا ما أراد أن يتصف بالدقة والشمول والاستيعاب، ومن ثمّ فالغرض الذي نستهدفه في هذا البحث ليس إلا محاولة أولية للقيام بعمل وصفي يبتغي إيجاد أكبر قدر ممكن من التشقيقات الجمالية، والتعرّف عليها من خلال تلمّسها في آيات الذكر الحكيم، وبعبارة أخرى: هو عمل يستهدف جدولة وفهرسة الآيات حول موضوع الجمال.
ولعلّنا سنستفيد - هنا - وبقدر كبير في عملية التشقيق والتفريع من طريقة القسمة الثنائية المعتمِدة على استحضار المتقابلات في الموضوع الواحد، وطريقة القسمة الحرة.

  • مقدّمات أولية:

ولابدّ أن نعترف ـ بدءاً ـ بأنّ البحث تعترض طريقه عقبات أساسية في سبيل تجلية المقصود المفهومي من لفظ (الجَمال)، ومن ثمّ في تشخيص التطبيقات، ودخولها أو خروجها من دائرته.

ويزيد الأمر تعقيداً وجود مجموعة من الاختلافات بين علماء الجَمال والفلسفة في النظرة للجمال والجميل، يقف من خلف ذلك اختلاف المنظومة الفكرية التي يتبناها كلّ واحد من هؤلاء، والتي تؤثر عليه في مستويي الرؤية والتطبيق معاً.

ومن هنا يحسن أن نتبيّن شيئاً من الفروقات القائمة بين بعض المصطلحات والمفاهيم الأساسية في البحث، ومنها: 

1ـ (الجَمال): بين اللغة والاصطلاح.
2ـ الجَمال والجميل.
3ـ الجَمال والجمالية.
4ـ الجَمال والمنفعة.
5ـ الجميل والجليل.
6ـ الجميل والغريب.

  • (الجَمال): بين اللغة والاصطلاح:

تُعرِّف القواميس اللغوية (الجَمال) بأنّه الحُسن والملاحة والبهاء (2).

في حين اختلفت التعريفات الاصطلاحية وتنوعت، فالفلاسفة يعتقدون أنّ هناك ثلاث قيم أساسية توجّه نشاط الإنسان هي: الحقّ والخير والجمال، لذلك راحوا يوسّعون دائرة قسم (فلسفة القيم) لتشمل: المعرفة (تعود للحق)، والأخلاق (تعود للخير)، والجمال (تندرج ضمن الجمال) (3)، فالجمال عندهم إحدى القيم الموجهة لنشاط الإنسان. 

ولم يؤثر عن أفلاطون [428 ـ 348 ق م] أنّه عرّف الجمال بدقة، أما أرسطو [384 ـ 322 ق م] فقال: "الكائن أو الشيء المكوّن من أجزاء متباينة لا يتم جماله ما لم تترتب أجزاؤه بنظام، وتتخذ أبعاداً ليست تعسفية؛ ذلك لأنّ الجمال ما هو إلا التنسيق والعظمة" ( )، فالجمال عنده يتلخص في "تناسق التكوين لعالم يتبدّى في أجلى مظاهره، فهو لا يعنى برؤية الناس كما هم في الواقع، بل.. كما يجب أن يكونوا عليه" ( ). 

وعرّفه (كانت) [1724ـ 1804م] بأنّه "ما يروق لنا بغير أن يرتبط بمنفعة معيّنة"( )، وعرّفه شوبنهور [1788ـ 1860م] بأنّه "صفة للشيء الذي يبعث في نفوسنا السرور بصرف النظر عن مدى نفعه لنا، ويحرِّك فينا نوعاً غير إرادي من التأمل، ويشيع لوناً من السرور والسعادة، وفي هذا الإحساس الموضوعي سرّ تقدير الجمال والعبقرية الفنية، فالجميل هو الذي يرضي الجميع بدون سابق فكرة أو صورة مسبقة التصميم" ( ).

 وذهب شارل لالو [1877ـ 1953م] إلى "أنّ الجمال هو الانسجام، يحسّ به العقل، ويقدّره الذوق، وهو الذي يبلغ بدون مشقة أكبر قدر من المفعول بأقل قدر من الوسائل" ( )، فـ"الجمال: ائتلاف مملوك" ( )، ورأى آخرون أنّه "ما يثير فينا إحساساً بالميل نحو الكمال" ( ).

  • الجَمال والجميل:

وإذا كان ما سبق يحوي شيئاً من التعريفات اللغوية والاصطلاحية لمصطلح (الجمال)، فقد عُرِّف (الجميل) بأنّه "الذي يشعّ بالحياة" ( ).
ومما تضفيه اللغة العربية على لفظي (جمال) و(جميل) فرقان أساسيان:

الأول: نحوي اشتقاقي:

 فـ (جمال) مصدر، بينما (جميل) صفة مشبهة باسم الفاعل. 

والثاني: دلالي معنوي:

فإذا كانت مفردة (جمال) مصدراً، ومفردة (جميل) صفة، فيترتب على ذلك اختلاف في المعنى المعطى لكلّ منهما.

 فالمصدر هو "اللفظ الدالّ على الحدث، مجرّداً عن الزمان، متضمناً أحرف فعله"( )، بينما الصفة المشبهة هي "صفة تؤخذ من الفعل اللازم للدلالة على معنى قائم بالموصوف بها على وجه الثبوت، لا على وجه الحدوث" ( ). 

ومعنى هذا أنّ المصدر يدلّ على حصول شيء وحدوثه ووقوعه (كالأكل والقيام والجلوس)، لكنّه لا يدل على ثبوت ذاك واستمراره، بخلاف الصفة المشبهة ـ مثل: جميل ومرِح وسيّد ـ فإنّها تدلّ على صفات ثابتة.

 ومن جهة أخرى فـ (جَمال) تدلّ على الصفة، أما (جميل) فتدلّ على الموصوف، فجميل تُطلق على شيء من الأشياء كأن يكون وجهاً أو بستاناً أو نهراً، فنقول: (وجه جميل، بستان...)، والصفة المأخوذة من ذلك هي الجمال.

  • الجمال والجمالية:

ومما سبق نعلم أنّ الجمال صفة في بعض الأشياء نسميها (الجميلة)، والميل البشري نحو الجمال فطري، ويشكّل قيمة محرّكة للنشاط الإنساني، فهو قديم قدم الإنسان، ولم يلبث الإنسان ـ منذ فجر التاريخ ـ يستوقفه المنظر الجميل والصوت الجميل والحركة الجميلة وغير ذلك..، وراح يفسِّر ويعلِّل منشأ ذلك الجمال، فتحرّكت الذهنية البشرية في هذا المجال الممتدّ الموصول من لدن أفلاطون، وأرسطو، والأبيقوريين، وأفلوطين  [205ـ 270م]، وغيرهم..

 وكطبيعة للعلوم تبدأ بملاحظات صغيرة هنا وهناك، ثمّ تتراكم المعارف وتتكامل، ثمّ يتبلور العلم، فقد مثّلت المحاولات السابقة تجارب غنية في اتجاه نشأة علم يدرس (فلسفة الجمال والفنّ)، والقواعد والمعايير المنظمة له، سمّاه العرب قديماً ـ في فترة الترجمة ـ بـ (الاستطيقا). 

وتعود نقطة البداية لإرسائه كعلم للقرن الثامن عشر الميلادي، وتحديداً لعام 1750م، عندما أطلق الكسندر بومجارتن [1714ـ 1762م] اسم (الاستطيقا) أو (علم الجمال) على تلك الأبحاث التي تدور حول منطق الخيال الفني، باعتبار أنّ علم الاستيطقا يبحث في الجمال واللاجمال، وسعى لفصل مجال التجربة الفنية الخيالية عن مجالي المعرفة النظرية العقلية والإدراك الحسي، والإلهام الصوفي، مما كان من مجالات مختلطة لدى القدماء، فعُدَّ مؤسساً لهذا العلم ( )، ويُعتبر علم الجمال أحدث فرع من فروع الفلسفة ( ).

وتشيع تسميته اليوم  بالاستطيقا، إلى جانب مصطلحات أخرى مثل: علم الجمال، والجمالية.

وهكذا ظهر عندنا مصطلح جديد ـ إلى جانب (الجمال) و(الجميل) ـ هو (الجمالية) التي تعني: "العلم الذي يبحث في الجمال عامة، وفي الإحساس الذي يتولد في نفوسنا من جرّائه" ( ).

  • الجمال والمنفعة:

هل هناك علاقة بين الجمال والمنفعة ليكون الجمال نفعياً بالضرورة، أم أنّ النفعية أمر لايتلاءم مع الجمال؟

يعتقد (كانت) بأنّ الجَمال هو "ما يسرّنا بغير أن يترتب على سرورنا به منفعة أو فائدة أو لذة حسّية" ( )، فهو يشترط فيه نزاهته من النظرة النفعية.
في حين اتخذ بعض الفلاسفة والمفكرين موقفاً (لاذياً) من الجَمال، فرأوا "أنّه لابدّ أن يصحب الخبرة الجمالية شعور بلذة أو ببهجة معيّنة، وطبعاً ليس كلّ ما يسبّب للإنسان لذة أو بهجة جميلاً" ( ).

ومن المقرِّبين بين الإحساس الجمالي واللذة: نيتشه [1844ـ 1900م]، وفرويد [1856ـ 1939م]، وسانتيانا [1863ـ 1952م]. 
لذلك يعرّف سانتيانا الجمال بأنّه "لذة تحوّلت إلى موضوع" ( ).

ومعنى هذا أنّنا أمام رأيين متباينين ينفي أحدهما ترتب المنفعة والفائدة واللذة على الجمال، بينما يرى الثاني أنّ ذاك من الملازمات التي لا تنفكّ عن الجمال.

ولعلّنا لا نتبنى أياً من الرأيين، ونميل إلى كون تلك الأمور على نحو (اللابشرط) ـ كما يقولون في المنطق ـ، لا على نحو (بشرط شيء) أو (بشرط لا)، أي أنّنا نرى أنّ المنفعة غير مشروطة في الجمال، وسواء أوجدت أم لم توجد لا يؤثر ذلك في تحقق الجمال، ولا نشترط لتحققه وجودها أو عدم وجودها.

  •  الجميل والجليل:

قد نقول عن شيء: إنّه جميل، وعن آخر: إنّه جليل، فهل هما تعبيران لمعنى واحد؟
لقد ميّز إدمون بيرك  [1729ـ 1797م] بين الجميل والجليل بالآتي:
1ـ الجميل ما يمنح الشعور بالرضا والسعادة أو يحرّك الشهوة، والجليل ما يشيع فينا إحساساً بالرهبة.
2ـ والجميل سهل واضح ملموس يُدرك بالحس، والجليل معقد غامض لامتناهٍ ندركه بالحدس ( ).
أما (كانت) فقد حدّد للجميل أربعة شروط تميّزه عن الجليل، هي من حيث الكيف والكم والجهة والعلاقة:
1ـ فمن جهة (الكيف) حدّد الجميل بأنّه "ما يسرّنا بغير أن يترتب على سرورنا به منفعة أو فائدة أو لذة حسية.
2ـ ومن جهة (الكم) يعرّف الجميل بأنّه ما يسرّنا بطريقة كلية وبغير استخدام أي تصورات عقلية.
3ـ ومن حيث (الجهة) يتصف الجميل بأنّه حكم ضروري، أي عكسه مستحيل.
4ـ ومن جهة (العلاقة) يتصف الجميل بأنّه يوحي بالغائية، أي يتعلّق بغاية محدّدة"( ).
ومعنى ما مضى أنّنا قد نقف على زهرة باسمة متفتقة فيستبينا جمالها الأخاذ، ويتملّكنا إحساس مفعم بالتوحد والامتلاء، لكنّنا لا نشعر تجاهها بالرهبة، فهي مما ينطوي تحت مفهوم (الجميل).

 وقد نقف أمام مشهد جبل شاهق امتدّ رأسه ليناطح الغيوم، لكن.. حين لا يكون ذاك الجبل جميلاً فسوف نشعر أمامه بالرهبة فقط لعلوه السامق دون الامتلاء والتوحد به، فهو ـ هنا ـ جليل فحسب، لكنّه ليس جميلاً.

ولعلّ هذا يضعنا أمام سؤالين مؤدى أولهما: هل يمكن أن يجتمع الجميل والجليل في شيء واحد ـ فنقف أمام جبل شاهق (جليل) وفتّان (جميل) ـ أم لا؟
ومؤدى الثاني: هل يمكن أن نقف عند شيء ليس بجميل ولا جليل معاً، فتنتفي عنه الصفتين في آن واحد أم لا؟ 

والإجابة على هذين السؤالين تُظهِر أنّ القسمة ـ هنا ـ ليست حدية صارمة من قبيل مانعة الجمع (إما أن يكون الشيء جميلاً أو جليلاً)، أو من قبيل مانعة الخلو (لا يمكن أن ينتفي الجميل والجليل معاً عن شيء واحد)، بل.. قد يجتمعان، أو يرتفعان، أو يوجد أحدهما فقط.
  

  • الجميل والغريب:

بين (الجميل) و(الغريب) عموم وخصوص من وجه، فبينهما نقطة التقاء ونقطتا افتراق، فهما يلتقيان في أثر يصدر عنهما هو العجب أو التعجب، فيعجب الإنسان بمنظر جميل خلاب، كما يتملكه العجب لحصول أمر غريب.

ويفترقان أنّ (الجميل) مبعثه الحسن والانسجام والتناسق (الشعور بالموافقة)، ومن ثمّ يقود إلى الامتلاء به والتوحد معه، أما (الغريب) فمبعثه وجود الشاذ غير المنسجم (الشعور بالمفارقة)، ويقود إلى الدهشة. 

  • مفاتيح البحث:

وحين نريد أن نبحث موضوعاً في نصّ قديم ـ كفكرة بحث الجمال في القرآن الكريم ـ تواجهنا عقبة أساسية وهي عقبة (المصطلح)، فقد تكون ظاهرة ما.. قديمة، لكنّ الزمن وتطوراته من شأنه أن يوجد تغيّرات اصطلاحية لألفاظها، الأمر الذي يحوجنا إلى معجم تطوري يعنى بتتبع المعنى وتطوارته، أو اللفظ والتغيّرات التي شهدها في مساره الزمني، أو الألفاظ القديمة المعبّرة عن هذه الظاهرة الجديدة.

 وما يحوجنا إلى ذلك كثيراً أنّ اكتشاف هذا المصطلح سيكون المفتاح لبحث تلك الظاهرة وفكّ المستغلقات والمبهمات أمامها، ومدّ الجسور بين الزمني المعاصر والقديم الموروث، خصوصاً عند السعي للقيام بعمل تأصيلي.

ومن باب المثال فقط: لو أردنا أن نبحث عن المجتمع في القرآن الكريم، ومن ثمّ لنتعرف على أشكاله، وأسباب قوته، وعوامل سقوطه و...، فإنّ تلك العقبة ستظهر أمامنا، فكيف نلج هذا البحث ونسبر أغواره، ونحن لا نملك (الكلمة المفتاح)؟!

 لكن حين نعثر على كلمات مثل (قرية)، (أمة)، (قوم)... ستُشرع أمامنا كثير من الأبواب، بوصفها كلمات مجسّرة للعلاقة بين القديم والحديث، وطريقاً للتعرف على المصطلح القديم للظاهرة - ولو كانت معاصرة -، ومن ثم جعل المصطلح مسلكاً للنفاذ إلى معرفة تلك الظاهرة. 

وإذا طبقنا هذا الأمر على موضوع (الجمال) فلا بدّ أن نسعى أولاً لاستدعاء المصطلحات القرآنية له، ومن ثمّ تتبعها؛ للتعرف على جوانبه.
ويبدو أنّنا - هنا - أمام مصطلحات كثيرة مُعِيْنة، منها:

1- الجمال:

فمصطلح (الجمال) نفسه وباشتقاقاته المتعدّدة ورد ذكره في آيات عديدة منها:
* ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ( ).
* ﴿وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ( ).
* ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ( ).
* ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا( ).
* ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا( ).
وهذا المصطلح يمثل - في بحثنا - الجذر الأساس لدراسة الظاهرة؛ لتوحده لفظاً مع المصطلح المعاصر والمتداول اليوم.
بيد أنّ هناك مصطلحات مفتاحية أخرى فرعية رديفة، منها:

2- الحسن:

فالحسن هو أحد المعاني المخبوءة في طي لفظ (الجمال)، وقد مرّ ذلك في التعريفات التي أغدقتها اللغة العربية ومعاجمها، ومن الآيات في هذا الجانب:
* ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ( ).
* ﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( )  .
* ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ( ).

3- النضرة:

فالشيء النضر طري جميل يفيض بالرواء والإشراق، ويكشف عن حالة النعيم والسعادة التي يرفل صاحبها ويتقلب في بحبوحتها، فقد وصف الله حالة المؤمنين في الآخرة، فقال:  
* ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ( ).
*﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ( ).

4ـ الخير:

وتأتي هذه المفردة في القرآن كقيمة أخلاقية مقابلة للشر: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ( ).

كما تأتي للدلالة على الموازنة والترجيح وبيان الأفضل: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ( )، ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى( ).

وكلا المعنيين مهم، بيد أنّ الأول أكثر أهمية في بحثنا؛ لاسيما مع مقولات أنّ الله لا يأمر إلا بالجميل الحسن، وأنّ الحُسن والقُبح ذاتيان عقليان لا اعتباريان شرعيان، وأنّ العقل قادر على إدراك الحُسن والقُبح ـ حسب المعنى الأصولي ـ، وأنّ الله لا يخلق إلا الخير المحضّ، أو الشيء الذي خيره أكثر من شرّه، أما الشرّ المحضّ، أو الذي شرّه أكثر من خيره فلا يمكن أن يخلقهما الله.

5ـ الزينة:

وهي إحدى أشكال بروز وإبراز الجمال، ولها مظاهرها الكثيرة في عالم الطبيعة والكون، وعالم البشر، وغير ذلك:
*﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ( ).

*﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا( ).

 6- الفتنة:

وهي أثر من آثار الجمال، فالإنسان حين يرى الجمال يُفتتن به، وتبدو بعض الأشياء للإنسان كذلك ليمتحن بها، وقد استخدمه القرآن الكريم بمعاني مختلفة منها:

* ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ( ).
* ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ( ).
* ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ( ).
ولا نريد أن نقول بأنّ كلّ فتنة جميلة، ومسبّبها الجمال، فقد تكون نتيجة شر وشؤم، وإنّما نريد أن نقول بأنّ الجميل يفتن الإنسان، فطرف الإثبات ـ هنا ـ هو العلاقة التلازمية الموجبة بين الجمال والفتنة، لكنّ هذا لا يستلزم إثبات القضية الموجبة بين الفتنة والجمال.

7- المتاع:

والمتاع والمتعة هو الآخر من آثار الجمال، فالمنظر الجميل ممتع للبصر، والصوت المرهف العذب ممتع للسمع، والشذا المعطار ممتع للشم، والعذب الزلال ممتع للذوق، والحرير الناعم الوثير ممتع للحسّ:

* ﴿قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( ).
وهناك أشياء هي متاع للإنسان، وأخرى متاع للحيوان، وهكذا:
﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ( ).

8- الإعجاب:

وحين نرى الشيء الجميل نكبره ونعجب به، وبما يحكيه، على نحو إعجابنا بمنظر المؤمنين البهي بهاء الزرع المتدفق المهيمن على قلوب الزرّاع:﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ( ).

9- البهجة:

والبهجة والارتياح النفسي شعور آخر من آثار الجمال:
 * ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ( ).
* ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ( ).

10ـ المسرّة:

هناك أشياء تطبق بجناحها على الإنسان فيتوشح بالحزن والكآبة، وهناك أشياء تدغدغ مشاعره فتنبض بالمسرة، وتنتشي بعبق السرور:
﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( ).

11- اللذة:

وكما للجمال آثار معنوية نفسية ـ كالإعجاب والبهجة والسرور ـ، له آثار مادية، منها اللذة الحسية، كتلك التي يعانقها المؤمنون في جنات الخلد، ويعيشونها بكلّ كيانهم:

* ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ * بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ( ).
* ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( ).

12ـ القبح:

فهي تفيد في معرفة (اللاجمال) أو الجمال المنفي، الذي يُعَدّ  في الرتبة الثالثة من رتب الجمال في نظر علماء هذا الفنّ ومنظريه، كما تفيد في التعرّف على جماليات القبح ـ إن سلمنا بها ـ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، وعن طريق قاعدة (وبضدها تتميّز الأشياء)، أو (والضدّ يظهر حسنه الضدُّ)، يمكن الاستنارة بالقبح لمعرفة الجمال في الطرف المعاكس.

وبعبارة أخرى: إنّ المفاتيح السابقة هي في الجمال مباشرة، وهذه في المقابل المباين للجمال.

يقول الله تعالى:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ( ).

13ـ الخبث:

وهو عكس الطيب، ويمكن الاستفادة منه ـ كذلك ـ للدلالة على الجمال المنفي، أو تقانات القبح، أو لإفادة الجمال عبر التضاد والمقابلة.
يقول القرآن الكريم:

﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ).
﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا( ).

وظائف الجمال:

للجمال وظائف كثيرة تصب في رافدين أساسيين، هما:

1ـ الوظيفة الجمالية الإمتاعية:
2ـ الوظيفة النفعية العملية:
وقد مرّ بنا سابقاً اختلاف الفلاسفة والمفكرين في العلاقة بين الجمال والمنفعة، وأنّ بعضهم اشترط في الجمال أن يخلو من المنفعة، وراح هؤلاء على شكل منهج (الفنّ.. للفنّ) ينشدون الجمال الخالص عن النظرة النفعية والمصلحية.

وعلى الطرف المقابل هناك من ذهب إلى عدم خلو الجمال من اللذة والمنفعة، وسار هؤلاء على منهج (الفنّ.. للحياة).

وحين يتحدّث القرآن عن جمال السماء يقول: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ( )، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ( ).

وهذه الآيات تركز على وظيفتين من وظائف الجمال السماوي هما: الوظيفة الجمالية، والوظيفة النفعية، ففي الحقل الجمالي هي زينة: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وفي الحقل النفعي، فمن وظائف الإجرام السماوية رجم الشياطين: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ، ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ

وحين يتحدث القرآن الكريم ـ كذلك ـ عن الأنعام وعلة خلقها يشير إلى ذين الجانبين فيها، فيقول: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *  وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( ).

ففي الأنعام تتجلى الوظيفين معاً:

ـ الوظيفية النفعية، بما تجلبه للإنسان من دفء بجلودها، وأكل للحومها، وحمل لأغراضه وأمتعته، وركوبه وامتطائه لظهورها عند التنقل.
ـ والوظيفة الجمالي الجمالية الإمتاعية، فهي مصدر بهجة يغدق عليه الإنس والارتياح، وزينة تطرِّز ثوب حياته بخيوط مخملية رائعة يسكن إليها.
فهل هناك غضاضة أن يكون لدى الإنسان خيل يصبّ عليه كأس الغبطة حين يراه يعدو في المضمار؟!

إنّ بعضاً من الناس ـ حتى في الجوّ الديني ـ قد يتجاوب مع الجانب النفعي الوظيفي للأشياء، في حين يتشدّد في الجانب الجمالي الذي أقرّه القرآن الكريم، فينظر إلى الاستمتاع بمنظر الحيوانات بوصفه مضيعة للوقت، ونقيضاً للجدّ، وانشغالاً عن الدين، ولا يميل للنزهة والتفرّج على البحر أو الأشجار أو الحيوانات!!

مع أنّ القرآن الكريم ـ كذلك ـ يحكي لنا أنّ النبي سليمان كان يتفرّج على الخيول: 
﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ( ).

وكان قد أمر الجنّ أن يصنعوا له ـ مما يصنعون له ـ  تماثيل، فهبوا ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( ).

الجمال وآثاره:

ولعلّنا ندرك تماماً أنّ هذه المداخل البحثية تعود إلى زاويتين: إحداهما: مباشرة تتناول الجمال رأساً مثل (الجمال، الحسن، النضرة، الخير، الزينة)، والثانية: غير مباشرة، تتناول آثار الجمال مثل (الفتنة، المتاع، الإعجاب، البهجة، المسرة، اللذة).

وعلى هذا تكون دلالة الأولى على الجمال دلالة بالمطابقة (كالجمال والحسن) أو التضمن (كالزينة والنضرة)، ودلالة الثانية آتية بالالتزام، فالشيء الذي يجلب (الفتنة أو المتعة أو البهجة أو السرور أو اللذة) يستلزم ـ غالباً ـ أن يكون جميلاً، سواء أكان جمالاً حقيقياً أم ظاهرياً، أصلياً أم اعتبارياً. 
وسنتناول بعض آثار الجمال بشيء من التفصيل أكثر مما ورد في مسرد المفاتيح السابق.
فمن فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها أنّه يهوى الجمال، ويترك ذلك عليه آثاراً وبصمات تدغدغ نفسه، وتعمل على داخله، وتتفاعل داخل وجدانه، ومن تلك الآثار:

1- السرور:

فالإنسان يغمره السرور حين يصادف موقفاً أو شيئاً يبعث فيه ذلك، فهو مخلوق ذو مشاعر، يتأثر ويتفاعل مع ما حوله، وليس آلة صماء لا تعي ما حولها: ﴿إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( ).
 والله يهب المؤمنين في الآخرة السرور الدائم ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا( ).
ويعودون إلى أهلهم يظللهم السرور بسحابة دافئة مبتهجة ﴿وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا( ).

2ـ البهجة:

والبهجة والارتياح أثر من آثار الجمال، فمن يشهد الجميل ماثلاً أمامه تتملّكه غبطة، وهذا ما يشعر به من يقف أمام حديقة فيحاء، تتهامس فيها الأشجار، وتتراقص فيها الأغصان، وتتبسّم فيها الزهور، ويتماوج النسيم، وتشدو الطيور، وتترقرق المياه:
﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ( ).
وهذا ما يجعل الإنسان يعشق مساقط الماء، ومنابت الشجر، ويدفعه للسفر والتنقّل لمرأى الجمال في البلدان؛ ليغسل عنه وعثاء التعب، وتبتهج روحه بمناظر الملاحة والبهاء.

3- اللذة:

ولا تقتصر آثار الجمال على الجوانب المعنوية ـ كالسرور والبهجة ـ بل.. قد يفجّر الجمال اللذة الحسية لدى الإنسان، فيهفو لتذوّق الشراب العذب، وإمتاع العين بالفتنة المتكشّفة، وغير ذلك.

وهاهم سكّان الجنة في لذة عارمة، يشربون الخمر واللبن والعسل المصفى، ويأكلون صنوف الفواكه الندية، ويتكئون على سرر متقابلين، وينعمون بالحور العين، ويخدمهم الولدان المخلدون:

﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ( ).

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ( ).

﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ * بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ( ).

وإلى جانب هذا النعيم المادي الكبير في الجنة هناك نعيم أكبر منه وهو رضوان الله، حيث التذاذ الروح بلذة العشق الإلهي ونشوة القرب، واستنارة أبصار القلوب بضياء النظر إلى الجمال المطلق: 

﴿وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( ).

وإذا كانت تلك الآيات السابقة قد ذكرت شذرات من نعيم الجنة ـ المادي والمعنوي ـ ، فإنّ بعض الآيات الأخرى ذكرت القاعدة العامة لنعم الجنة وأنّ فيها كلّ ما لذّ وطاب، وكلّ ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، مع بشرى الخلود الدائم في ذلك الترف الباذخ:

﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( ).

4- العجب:

وقد يقف الإنسان أمام المنظر الجميل مشدوه البال متعجباً من روعته وبهائه ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا( ).

وإذا كان هذا مثالاً لمن وقف من البشر أمام موقف حسي رائع أمامه فدهمه المنظر وسيطر عليه، فقد ذكر القرآن مثالاً من خارج دائرة البشر وقد سباه الجمال، إنّه مثال الجنّ شدّه الفيض المعنوي الخضم للقرآن العظيم، وعزف في أذن قلبه الجرس الآسر لألفاظه وموسيقاه، فاعتنقه بكامل وجدانه، وقبض عليه بمنتهى قواه، وباح بمكنون مشاعره تجاهه﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا( ).

وإذا كان الجمال معجباً، فقد ينشأ العجب من أمر آخر هو حصول الأمر الغريب غير المتوقع، والذي يصدم الذهن البشري وما اعتاده، وذكر القرآن الكريم أمثلة لهذا التعجب من الغريب، منها:

أـ الولادة في سنّ اليأس:

فالمرأة حين تصل سنّ اليأس لا تنجب ـ عادة ـ، على ذلك تسير نظم البشر، فإذا بالملائكة تخبر زوجة النبي إبراهيم ـ وهي في ذلك السنّ، وزوجها شيخ كبير ـ بأنّها ستلد إسحاق، فخيّمت عليها الدهشة و﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ( ).

ب ـ طول الحياة:

وحين يسمع المرء عن أهل الرقيم والمعجز العظيم الذي ساقه الله إليهم، أو يسمع عن أهل الكهف وعمرهم الممتد، ونومهم ثلاث مئة وتسع من السنين، لا يأكلون ولا يشربون، وربّهم القدير يقلّب أجسادهم ذات اليمين وذات الشمال، و﴿الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ( ):

 ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا( ).

ج ـ البعث:

وتصوّر الكفار العرب أنّ البعث محال؛ إذ كيف يمكن البعث وأوصال البشر قد مُزّقت وفُرّقت في الأرض؟ وكيف يمكن ذلك وبعض الأجزاء قد أكلتها السباع والحيوانات والهوام؟، وكيف يمكن ذلك وقد ذاب الجسد البشري وتحوّل إلى تراب، وتفتت أقوى ما فيه ـ وهو العظام ـ وتحوّل إلى رميم؟
وحين جاءهم الصادق الأمين وأخبرهم بهذه الحقيقة لفَّهم العجب، وراحوا يعلنون ذلك: 

﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ( ).

د ـ حياة الميت:

ولو عاش إنسان بجنب ميِّت وهو يعلم يقيناً بموته، ثمّ رآه يقوم وملؤه الحيوية الصاخبة والنشاط المفعم فما الذي سيحصل له؟!

ألا يمكن أن تبهت قواه ويعيى لسانه؟!، ألا يمكن أن يقع مغمى عليه من هول الصدمة؟!، ألا يمكن أن يتوقف نبض فلبه ويسلم الروح؟!

وهاهو فتى موسى يرى حوتهما الذي جابا به البلدان، وكلّله الزمن بمسافة لم ينتشِ فيها بنعمة البحر، ونغمة أمواجه العِذاب، والتنفس في جوفه، وقرضه فيها الهواء، ولسعته الشمس ـ وربّما شوته النار التي طُبخ عليها ـ، ولم يأكل شيئاً..، هاهو يراه وقد ﴿اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا( )!!
فتعجب كيف نهض الحوت حين نادته يد الله من بين الأمواج، فراح يخبّ الطريق.. يلبي النداء. 

وحين أحسّ موسى بلهيب الجوع يُعمل أمواسه في معدته﴿قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا( ).

فأجابه فتاه:﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا( ).
إذن..، لقد عادت الحياة إلى الميت، وما عاد الأمر مجرّد مستقبل موعود في الآخرة، وكان موسى يعرف تلك العلامة فطفق فرحاً، و﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا( ).
  
مراتب الجمال:

1ـ الجمال المطلق (الكمال):

الجمال المطلق هو الخالي من أيّ شائبة أو عيب أو دنس، وهو جمال من كلّ الجوانب،لا يقبل التخصيص والتقييد بجهة، وتتوفر فيه صفة الجمال تامة كاملة ذاتية لا عبر النسبة والمقارنة بأشياء أخرى، ووفق هذا لا تعطي الرؤية الدينية مثالاً له إلا الله ـ جلّ وعلا ـ، وما اتصل به من نعيم أخروي أعده لعباده المؤمنين: 

﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى( ). 
﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ).

2ـ الجمال النسبي (المقيّد):

وهو "الذي يتغيّر بتغيّر الظروف والإمكانات وطريقة التوظيف" ( ).

فالنسبي هو الذي يتغيّر لدى المقارنة، فهو بموازنته بشيء آخر يكون جميلاً، ومن ثمّ يتبدّل حسب الظروف والأحوال والمقارنات، فالدنيا وما فيها ما هو ألا جميل نسبي يتأثر بالمقارنات، فهو في زمن جميل، وفي مكان جميل، وعند شخص جميل، وبالمقارنة بشيء آخر جميل، وقد لا يكون كذلك عند تغيّر الظروف والملابسات، وهي ـ عموماً ـ حين مقارنتها بالآخرة  ليست كذلك:

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ( ).

﴿اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ( ).

وهذا النسبي ـ ومنه الأفكار والمعتقدات والإيديولوجيات ـ هو عند معتنقيه جميل، ومن ثمّ يؤدبنا الله مع هؤلاء على مراعاة شعورهم، لاسيما في مرحلة الجدال والمحاججة: 

﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( ).

3ـ الجمال المفقود (اللاجمال):

وكما أنّ هناك أشياء جميلة هناك أشياء قبيحة:
﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ).
والقبيح هو الذي رُفعت منه صفة الجمال:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ( ).
والله تعالى يميّز الخبيث من الطيّب، ويوضّحه للناس؛ ليمسكوا بالطيب، وتنصهر فيه قلوبهم وأقوالهم وأفعالهم: 
﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ( ).
وعلى الطرف المقابل؛ ليبتعدوا عن الخبيث ويهربوا منه:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ( ).
وهذا الخبيث على أنحاء، فقد يكون فعلاً، أو معتقداً، أو قولاً، وقد جمع ذلك قوله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( ).
أـ فالفعلي: ﴿الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
ب ـ والعقدي: ﴿َأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.
ج ـ والقولي: ﴿أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
ومن الآيات التي فصّلت بعض الخبائث: 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ( ).
ورسل الله جاؤوا ليحلوا الطيبات، ويحرّموا الخبائث:
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ).
ويحشد القرآن الكريم طاقته للتنفير من القبيح، تارة عبر الصراحة ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا، وتارة أخرى عبر المجاز ورسم الصور البلاغية المنفرة كالتشبيه ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، أو الاستفادة من تقانات التشبيه الوهمي؛ ليحدث في القلوب صورة مخيفة مفزعة، ترتعب لها القلوب، وترتعش الفرائص، وتقشعرّ الجلود، وتصطكّ الأسنان:
﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ( ). 
فالعرب لم يروا شجرة الزّقوم، ولم يروا رؤوس الشياطين، لكنّه تشبيه اجتلب المخزون الذهني لصورة الشياطين المرعبة في العقلية العامة، على نحو قول أمريء القيس [ نحو 130 ـ 80 ق هـ]، [نحو 497ـ 545م]:
أيقتلني والمشرفـيُّ مضاجعـي     ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ ( )

 مكامن الجمال:

لا نستطيع أن نقصر الجمال على شيء بعينه، فكلّ ما يشهد التناسق والتآلف والجاذبية والمتعة للإنسان..، هو جميل فاتن؛ لذلك يذكر القرآن الكريم مظاهر متعددة يكمن فيها الجمال، ومنها:

1- الإنسان:
فقد خلقه الله في أحسن تقويم وصورة: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ( ).
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ).
وحلّى الله الأنثى في الإنسان بسحر أخّاذ مميّز، وسجله في كتابه بوصفه الزينة الأولى والأجمل: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( ). 
فالنساء أبدع ما يبزغ في عين الرجال من مكامن الجمال، ويعجبه حسنه، ويأسره: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا( ).
ومن ثم ـ ومن منطلق واقعية الدين ـ أباح الله الزواج، وجعله طريق التكاثر وبقاء النوع: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( ).

2ـ البنون:

وتدفع غريزة حبّ البقاء الإنسان إلى أن ينضح حبّاً، ويتهلل فرحاً بتحقيق امتداده البشري المستمر في أولاد يحملون اسمه، ويساهمون في مساعدته في الحياة ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا( ).

3ـ المال:

والمال ـ بقيمته الاعتبارية والنفعية ـ شيء مما تهشّ له نفس الإنسان ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا( ).
وكما يحبّ الإنسان المال عموماً ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا( )، يحب أصنافه الأثيرة ـ كالذهب والفضة ـ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ ... وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ( ). 

ولذلك تتخذ المرأة الذهب والفضة زينة على شكل قلائد وأساور وخواتم، وغير ذلك، وتلبس الحرير، كما يجيز الشرع للرجال التختم بغير الذهب في الدنيا، أما في الآخرة  ومقاييسها فيهب الله للجميع ـ ذكوراً وإناثاً ـ خيراته الواسعة:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ( ).
﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا( ). 

وفي الجنة يكرم الرحمن عباده  بسرر منسوجة من الذهب بإحكام تطيب عليها جلسات المفاكهة والأنس: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ( ).

4- الحيوان:

وطبيعة الإنسان أنه يهوى منظر الحيوانات العذب، فتأسره غزالة هيفاء وخيل مطهم وطاووس زاهي الألوان، وهكذا جاءت الحيوانات ـ إلى جانب قيمتها النفعية ـ ليستمتع الإنسان بجمالها، ويتخذها زينة:
﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *.... * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( )، ﴿إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( ).

5ـ وجه الأرض الصبوح:

وجه الأرض ـ ولاسيما في الربيع ـ بهي شائق ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( ).

إنّه جمال فذّ فريد، تتبارى في حلبته الأنهار الرقراقة، والبحار الزاخرة، والأشجار الميّاسة، والورود الفواحة؛ وغير ذلك من صنوف الجمال البديع؛ وتتسابق بينها؛ لتسبي قلب الإنسان، وتمتعه بالنظر، وتأسو جراجه.

وإذا كان ذاك حكماً جمالياً منصباً على العام، فإنّ القرآن الكريم خاض في شيء من تفاصيل فنون الجمال في الطبيعة، فكم تجلب الزروع والأشجار من بهجة ناعمة للإنسان ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ( )، ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ( ).

لقد فُطر الإنسان على حبّ الجمال، ويشعر بحنين واله إلى الطبيعة الأخاذة: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ..... وَالْحَرْثِ( ).

6- السماء والنجوم:

ومن لوحة الجمال الأرضي الخلاب إلى لوحة الجمال السماوي البديع الآسر، بما يطرّزه من نجوم لألاءة راقصة، لاسيما في الليالي الصافية التي تبدو فيها ناصعة وكأنّها لؤلؤ منثور يزركش ثوب السماء ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ( )، ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ( )، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ( ).
وكم جلس المحبّون والمحزونون والشعراء أمام وجه النجوم الفاتن والقمر الساحر يهمسان لهم بالأسرار، فيستجمعونها لتبدو لنا دفق مشاعر، أو بلسم جراح، أو ترنيمة حبّ، أو نمير قواف، أو ليتسمّروا إزاءه بما تعجز عنه لغة الوصف والكلام!! ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ( ).

7ـ القول:

والكلام الذي يفوه به الإنسان يحمل بين جوانحه الجمال أو القبح، فالكلمة الطيّبة تستقرّ ولها ثبات ورسوخ في القلب، ولا تلبث أن تنمو وترتفع وتمتد، ثمّ تثمر الجنى الوفير والعطاء الغدق لا في فصل واحد من فصول السنة فحسب، بل في كلّ حين﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ( ).

فمن مواطن الجمال في الكلمة:

أـ الثبات والرسوخ.
ب ـ النمو والرفعة.
ج ـ الجنى والعطاء.

ولذلك يأمر الله عباده ـ دوماً ـ باستعمال الأحسن:

﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا( ).

﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( ).
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( ). 
وهناك من يطرّزون العبارات وينمقون الكلام، فيأتي معجِباً ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ( ).

وقد قال رسول الله : "إنّ من الشعر لحكماً، وإنّ من البيان لسحراً" ( ).

8ـ الفعل:

والعمل الذي يقوم به الإنسان قد يكون جميلاً أو قبيحاً، وقد تصدى علم الأخلاق لبيان ذلك، والله يأمر عباده بلزوم الفعل الحسن:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ( ).
 ومن تلك الأفعال الجميلة: الصفح:

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ( ).
وحتى حين يزمع المرء على فراق من كان معهم ومباينتهم يحسن منه أن يكون ذلك بفعل الجميل:
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا( ).

والإنسان حين يعيش ضمن مناخ ما.. يتشرّب أخلاق أهله، ويعشق فعالهم حتى لو كان من ينظر لها من خارج تلك الدائرة يراها قبيحة، وهذا أصل أخلاقي يحث على احترام ثقافات الشعوب مما لا يخالف الدين، ونقد الثقافات المخالفة للدين بأدب؛ لأنّ أصحابها يعدّونها ضمن المقدّس، وسبّها يجرِّئهم على سبّ  مقدّسات السابّ وثوابته:

﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( )، ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ( ).

9ـ الهيئة:

حين خلق الله الأشياء جعل لكلّ منها الهيئة الحسنة المناسبة لها:

﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ( ).

والهيئة والقوام والمظهر مما تشكّل الجمال، وتدل على حال صاحبها ومستواه المعيشي، فالثياب الرثة والشعر المغبر المنفوش من المنفّرات، وتدلّ ـ غالباً ـ على أنّ من تتوفر فيه فقير أو بخيل أو مهمل، أو مبتلى.

ويسعى البعض للاهتمام بباطنه دون ظاهره؛ ظناً منه أنّ هذا هو الزهد، وأنّ الله يريد من الإنسان أن لا يغترّ بالدنيا، وأن لا ينساق لها، وأنّ الدار الحقيقية للمؤمن هي الآخرة، والقرآن يصرخ في وجوه هؤلاء:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( ).
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( ).

وفي قبالة أولئك هناك من ينصبّ اهتمامه على جسمه ومظهره فقط، لكنّ قلبه وجوهره قبر حالك خاوٍ من نور الإيمان:  

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ( ).

10ـ اللون:

"يرى البعض أنّ اللون يؤثر فينا بسبب الارتباط، فالأحمر والأصفر ـ مثلاً ـ دافئة؛ لأنّها ترتبط بالشمس والنار والحرارة، والأخضر مهدئ؛ لأنّه يذكِّر ساكن المدن بالريف والمزارع" ( ). 

وهذا الارتباط على نوعين: عام وخاص، فقد يقترن لون ما.. عند عامة الناس ـ أو أكثرهم ـ بمعنى معيّن، كالأخضر في اللحم أو الخبز الذي يساوق العفونة، ولهذا نصف ألواناً بأنّها حارة أو باردة.

 "وقد يكره الإنسان لوناً معيّناً لأسباب خاصة، كأن يكون لون الملابس التي يلبسها شخص يكرهه، أو يحب لوناً؛ لأنّه يذكره بشي محبوب له" ( ).
وبحسب هذا يعود اختيار قدماء المصريين للون الأزرق لتلوين الوجوه لتأكيد الصفة السماوية( )، بينما يختار الكبراء ـ لاسيما في المطارات ومجالس الملوك والأمراء ـ اللون الأحمر؛ لأنّه يُصنّف بأنّه لون ملوكي.

وهناك من يرى أنّ للألوان أثراً ذاتياً ـ لا ارتباطياً ـ، وأنّها تؤثر على الجهاز العضلي والدورة الدموية، وأنّه عند قياس تأثيرها بجهاز الضغط: وُجِد أنّ القياس العادي هو 23، وأنّ الأخضر يسبّب 24، والأصفر 28، والبرتقالي 35، والأحمر 42" ( )، وأنّ الأطفال أكثر تعلّقاً بالألوان الفاتحة ـ مثل الأصفر والأبيض ـ ثمّ يزداد التعلّق بألوان أخرى فيدخل الأحمر من سنّ 4ـ9، ثمّ الأزرق، وأنّ أبناء الريف يفضّلون الأخضر، وأنّ هناك فروقاً بين أهل المناطق الحارة (الجنوبية) والباردة (الشمالية)، فيميل أهل الجنوب إلى الألوان القاتمة، بينما يميل أهل الشمال إلى الألوان الباهتة، وأنّ هناك فروقاً ـ كذلك ـ بين الذكور والإناث في تفضيل الألوان. 

وإزاء هذا الرأي أو ذاك يشرق أمامنا قوله تعالى في شأن بقرة بني إسرائيل:﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( ).

فاللون الأصفر في البقرة له مدخلية في ذلك السرور الذي تبعثه في قلوب الناظرين، لكنّ ذاك أعم من قولنا أنّ اللون الأصفر يبعث السرور، ولعلّ هذا ما يوقفنا أما تساؤل الفرق بين تعبيري ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أو (يسرّ الناظرين) وسبب اختيار القرآن للأول منهما، فالتعبير الأول يدلّ على أنّ الجامع المركب من البقرة ولونها (بقرة صفراء تسرّ) هو السارّ، دون أن يكون اللون وحده هو الذي (يسرّ الناظرين)؛ لأنّ اللون الأصفر حين يقع فيما يناسبه (الانسجام) يكون جميلاً، وقد يكون في شيء آخر ليس كذلك فلا يجلب السرور.

11- الله:

وعلى هامة وقمة الجمال تأتي الذات الإلهية وصفاتها الحسنى وأفعالها الحكيمة، فالله تعالى هو الجمال المطلق الذي يستمد كلّ جميل منه جماله ورونقه، إنّه واهب الجمال، و(فاقد الشيء لا يعطيه)، و(معطي الشيء ليس فاقدً له).

وتتحدّث بعض الآيات القرآنية عن جمال الذات الإلهية ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى( ). 

ويتحدّث قسم آخر من الآيات عن جمال الأسماء والصفات الإلهية﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى( ).

كما يأتي قسم ثالث من الآيات ليثبت جمال الأفعال الإلهية ـ كالخلق ـ ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( ).

وعلى نحو الخلق ـ كصفة فعلية لله سبحانه ـ يستقر جمال الأفعال الإلهية كلّها، فالله ـ تبارك وتعالى ـ هو ﴿خَيْرُ الرَّازِقِينَ( )، و﴿خَيْرُ الْحَاكِمِينَ( )، و﴿خَيْرُ النَّاصِرِينَ( )، و﴿خَيْرُ الْمُنزِلِينَ( )، و﴿خَيْرٌ حَافِظًا( )، و﴿خَيْرُ الرَّاحِمِينَ( )، و.... 

 فالله ـ سبحانه وتعالى ـ جميل ذاتاً، وجميل صفة، وجميل وفعلاً، بما يعود إلى أنواع التوحيد الثلاثة – الذات والصفات والأفعال-. 

وإذا كان لفظ (الجميل) لم يُطلق على الله - سبحانه وتعالى- في آيات الذكر الحكيم، فقد أطلقته السنة المباركة في قوله : "إنّ الله جميل يحبّ الجمال" ( ).

أنواع الجمال:

ذكر القرآن الكريم تقسيمات كثيرة للجمال، منها:

1- الحسّي والمعنوي:

فهناك أشياء مادية جميلة ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( ).

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( ). 

ولعلّ هذه الآية أجمع آية للمتع المادية، فقد احتوت على ست منها (النساء ـ البنين ـ القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ـ الخيل المسوّمة ـ الأنعام ـ الحرث).

كما أن هناك أشياء معنوية – كالأخلاق الفاضلة- هي كذلك تكسو صاحبها برداء خلاب ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ( ).
﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ( ). 

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا( ).

﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ( ).

 ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( ).

وهذا يعني أنّ الجمال قد يوجد في المجرّد (المعنوي)، وقد يوجد في المجسّد (الحسي)، وقد أدرك العرب ذلك منذ القِدم، فمضوا يقسِّمون الجمال إليهما، على نحو ما يقول ابن منظور [630هـ ـ 711هـ]، [1232م ـ 1311م]: "الجمال: الحُسن يكون في الفعل والخَلْق"( )، وعلى نحو ما يقول الفيروزآبادي [729ـ 817هـ]، [1329ـ 1415م] "والجمال: الحُسن في الخُلُق والخَلْق" ( ).

2- الدنيوي والأخروي:

تحتوي الدار الدنيا على جمال، وتحوي الدار الآخرة الجمال، على فارق بين الجمالين سيأتي: 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ).

3ـ المقدّس والمدنّس:

هناك جمال نزيه صافٍ لا يمكن أن يشوبه العكر، فهو محترم مبجّل، وهناك جمال آخر يمكن أن يدنّس، ويمكن أن يتسخ.

ويتسنّم ذروة المقدّس الله ـ جلّ جلاله ـ وما انتسب بحق إليه:

﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ( ).

ومن أسمى الأمثلة للجمال المقدّس: الثواب الأخروي، فنعم الجنة لا يشوبها الدنس، ولا يسمع أهلها فيها اللغو والتأثيم، ولا تنقطع خيراتها ولا تُمنع ولا تُحجب، وحورها أبكار دوماً لا يعرفنّ الشيخوخة، ولا تجرؤ الشيخوخة أن تمسّ أذيالهن.

يقول القرآن الكريم عن السابقين.. السابقين:

﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا( ).

ويقول عن أصحاب اليمين:

﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا( ).

بل وخمر الجنّة ـ وهي خمر ـ لا دنس فيها: فلا يشوبها الضرر (الغَول) ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ( )، ولا تصيب شاربيها بالصداع ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا، ولا تُذهب العقل (لا تنزفه) ﴿وَلَا يُنزِفُونَ( ).

في حين يأتي الجمال الحسي الدنيوي كمثال أجلى للجمال القابل للدنس:

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ( ).

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ( ).

4- الدائم والمنقطع:

وميزة الجمال الدنيوي أنّه منقطع لا يدوم، بخلاف الجمال الأخروي الخالد الذي لا زوال له ولا اضمحلال: 

﴿قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( ).
﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً( ).
﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( ).

5ـ الثابت والمتحوّل:

وفي علاقة الجميل بالزمان، يبلي الزمان كلّ جديد، ويجعله خلِقاً مهترئاً، فيهدمه معول التغيّر والتحوّل، هكذا كلّ نعيم الدنيا، وأما نعيم الآخرة فيلبس الثبات ويتدثر به:

﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ( ).
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً( ).
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا( ).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا( ).
﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا( ).

6ـ المطلق والنسبي:

وقد تقدّم الكلام عن هذين النوعين ضمن عنوان (مراتب الجمال).

7ـ الطبيعي والفني:

الجمال الطبيعي هو جمال الطبيعة العذراء، والجمال الفني هو الذي صنعه الإنسان، والذي هو من شأن الوسيلة الفنية التعبيرية بما فيها تقنيات الفنون، وعلى حدّ تعبير (كانت): "الجمال الطبيعي شيء جميل، أما الجمال الفني فهو تمثيل لشيء ما.. ليس بالضرورة أن يكون جميلاً" ( ).

فكم تزدان السماوات بالجمال الوافر: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ( ).

وكم تزدهي الطبيعة بمناظر الجمال من طلوع شمس الصباح الذهبية وخيوطها الناعمة الباعثة لقرائح الطيور، المنبهة للشجر، مروراً بمنظر الأصيل حين تلملم الشمس وشاحها مؤذنة بالرحيل، وختاماً بهدأة السحر!! 

كلّ ما خلقه الله على الأرض جميل، لولا أن أيدي بعض البشر تلوثه: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( ).

وحين يتأمل الإنسان هذا الجمال ـ ومنه الجمال البشري ـ يقف مشدوه البال حائراً، وهذا ما فعلته النسوة حين رأين الجمال الباذخ للنبي يوسف الصديق : ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ( ).

وقد نمت عند الإنسان فنون جميلة، كالنحت والرسم والزخرفة والإيقاع والشعر، ويحكي لنا القرآن الكريم كيف استفاد النبي سليمان من الجنّ ليصنعوا له محاريب وتماثيل وغير ذلك: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( ).

8ـ التكويني والصناعي: 

نقصد من (التكويني) ما يزدهي به الكون من جمال في الأرض والسماء، من الذرة إلى المجرة، فذاك من تقدير إلهي (جعل إلهي) ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( )، ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا( ).

وإلى جانب الجمال التكويني، أعطى الله الإنسان القدرة على عمل أشياء جميلة (جعل بشري)، فراح يشيد جمالاً صناعياً باهراً ـ سنتناول بعضه في فقرة (تجارب جمالية)، ومن ذلك بناء مدن خلابة: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ( ).

9- المقبول والممنوع:

لا يمنع الله ـ سبحانه ـ من الاستمتاع بالجمال في شتى تجلياته ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( ). 

غير أنّ هناك أشياء قبيحة يجمِّلها الشيطان للناس ليغريهم بها، ويدفعهم نحوها ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ( )، ﴿تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ).

وكذلك الحال مع النفس الأمارة بالسوء: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ( ).

وهكذا راح الشيطان والنفس الأمارة يزينان للناس الأعمال الباطلة واجتراح الشهوات؛ لأنّهما لو أخبرا الناس بحقيقة الذنب، أو تركا لهم معرفتها وبروزها لَمَا قبل أحد أن يفعل ذنباً، ولكنّها الجيفة المكسوة بالفرو المطلية بالمسك الأدفر: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ( ). 

10ـ العام والخاص:

هناك جمال عام يمكن أن يستمتع به أيّ إنسان، وهي طبيعة الجمال الدنيوي الذي شرعه الله للجميع: المؤمن بالله والكافر الملحد، والحصول عليه إما متاح للجميع، وإما خاضع للأسباب.

 وهناك جمال يختصّ به عباد الله المؤمنون الذين أسهروا عيونهم، وأتعبوا أبدانهم في سبيل الله ومرضاته:
﴿وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ( ).
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ).
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ( ).
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ( ).

غاية الجمال وغرضه:

وما دام كلّ هذا الكون قد خُلق لغاية حكيمة، فلنا أن نتساءل: ما الغاية أو الغرض الذي لأجله خلق الله الجمال؟
تشير الآيات القرآنية إلى مجموعة من الغايات منها:

1- تلبية الحاجات الفطرية:

فالإنسان مفطور على حبّ الجمال، وما دام كذلك فلا بدّ أن يوجد في واقعه الخارجي أو أخلاقه الداخلية ما يلبي ويسد تلك الحاجات ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ).

ومن الجميل الذي فطر الإنسان على الغرام به والميل القوي له المال الذي تشقشق نفسه تطلعاً له وولعاً به وهياماً فيه ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ( ).

2- الابتلاء والامتحان:

وقد جعل الله الجمال والزينة للإنسان لتظهر بذلك طريقة تعامله معه ومدى التزامه بأحكام الله تعالى تجاهه، وعدم استعماله في المحرّم والمبعِّد عن الله تعالى ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( ).

﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ( ).

﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( ).

والآية الأخيرة توحِّد بين المتعة والفتنة، فهي متعة ليمتحنوا بها؛ ليُنظر ماذا يفعلون.

3- جزاء العمل الصالح:

والجميل ـ ومنه الجنة - يأتي ضمن الجزاء الذي أعده الله ـ سبحانه وتعالى ـ لعباده ثواباً لهم على أعمالهم الخيّرة.

هو جزاء الأعمال الخيّرة من قِبَل ذوي الأخلاق تهمي به سماؤهم على من يقدّم لهم خيراً أو يهبهم كرامة: 

﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا( ).

﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ( ).

ولم يقل القرآن (وهل جزاء الإحسان إلا مثله)؛ ليفتح المجال لمن أُسدي له إحسان أن يجزي بخير منه وأكبر، لا بمثله فحسب.
ثمّ يتوّج الله المؤمنين في الجنة بأنواع الفضل والجمال والكرم الإلهي؛ جزاء لهم على فعلهم الحسن الصالح في الدنيا:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا( ).

وسائل التجميل:

ذكر القرآن الكريم مجموعة من الآليات والوسائل التي تضفي على الشيء الجمال، أو تزيد من مستوى تجليه منها:

1- الحلية:

فالذهب والفضة واللؤلؤ وغيرها أمور جميلة خلقها الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وهي ـ حسب مواردها الفقهية- جميلة، وتغدق على لابسها جمالاً ونضارة ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( ).
 وإذا كان هذا في الدنيا فإنّ المؤمنين في الجنة يحلّون بكلّ جميل ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ( ).

2- الريش واللباس:

فمن الريش تشكّل بعض الألبسة وأنواع الزينة ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ( ).

والآية تتحدّث عن نوعين من اللباس: اللباس المادي، الذي يتدثّر به بدن الإنسان ليستر عورته، ويحميه من الحرّ والبرد ﴿لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا، واللباس المعنوي الذي تلبسه الروح؛ ليقيها من المعاصي والآثام ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ

3- الزخرف:

فالأرض - مع استمرار حركة الزمن- ستزداد جمالاً، ويدفع ذلك كثيرين للركون للدنيا، والاطمئنان بها، والبعد عن الله ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( ).
وقد يهب الله بعض غير المؤمنين بيوتاً سقوفها من فضة، وبها مصاعد ومراقي للصعود لأعلى المنزل، ويهبهم أبواباً فارهة لمنازلهم، وسرراً تطيب بها جلستهم واتكاؤهم، ويعطيهم الذهب والزينة المزوّقة؛ ليحصلوا على ثواب الدنيا يميّزون به، ويمتحنون به، ويكون جزاء ما قدّموا من عمل إن صدر منهم خير:

﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ( ).

سمات الجمال ( ):

كيف نميّز الجميل من غيره؟

هل ثمة في القرآن الكريم ذكر لسمات أو معايير الجمال؟
تشير الآيات القرآنية إلى مجموعة من السمات منها:

1- السلامة من العيوب:
فوجود العيب في شيء من شأنه أن يخدش جماليّته أو جزءاً منها، وحين يسلم الشيء من العيب يغدو جميلاً، لذلك جعل الله خلقه – ومن أبرزه السماء البديعة بنجومها الوضّاءة - خالية من العيوب، كوجود شقوق وفتوق مخلة: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ( )، ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ( ).
وكذلك الحال مع الإنسان فقد ركّبه الله على صورة بديعة: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ( ).

2- القصد (الغائية):
ومما يضفي على الشيء سمة الجمال هو أن يأتي لقصد وتحقيق هدف- ولو جمالي- لا أن يكون عبثاً، ولذلك خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ السماوات والأرض بالحقّ، لا باطلاً دون هدف، ولا لهدف اللعب: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ( )، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ( )، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ( ).

3- التناسق:
فالتناسب أو التجانس في الشيء ملمح من ملامح الجمال؛ لذلك خلق الله خلقه وأحسن تقدير ونسبة كل شيء فيه ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ( )، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ( )، ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ( ).

4- التنظيم:
"يلتقي التنظيم كسمة جمالية مع التناسق، ولكنّ التنظيم يختصّ بتناسق الأبعاد، بينما تبقى سمة التناسق عامة حيث تشمل تناسق الألوان بعضها مع بعض، أو المادة، أو الصوت" ( ).

وقد أشارت آيات القرآن الكريم إلى العديد من الأمثلة للنظام والتنظيم، في سياق وصف الفعل الإلهي أو المدح الإلهي لذلك:
فخلقُ الله في الكون جاء منظماً، فالسماوات سبع طباق ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا( ).
وكذلك الحال مع الأرضين:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا( ).

ويتجلى التنظيم في الأرض بأتم روعته، فالمطر ينزل، وتخرج الأرض نباتاتها التي كانت مخبوءة في البذور، ويسفر الثمر متراكباً، وترسل النخيل عذوقها الدانية، وتتدلى عناقيد العنب، وترقص حبات الزيتون والرمان:

﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( ).
وتزهو النخيل في المرأى والأفق طويلة متسامقة تحمل جناها الوفير:  ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ( ). 
والملائكة في صلاتها وعبادتها تصطف في صفوف: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ( ).
ومدح الله المؤمنين بتراصّ صفوفهم في القتال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ( ).
ويتجلى التنظيم في الجنة أخاذاً مشرقاً، فهناك يجلس المؤمنون في مكان عال، على سرر رفيعة السُّمك والقدر، والمياه الدافقة تجري تحتهم، وبين أيديهم الأقداح المترعة (الأكواب)، والوسائد والمتكآت (النمارق) بعضها فوق بعض، وقد نُشرت البُّسط الفاخرة (الزرابي) في أحناء مجالسهم، في منظر بديع تتقاطر منه الأبهة والجمال:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ( ).
والسرر التي يمتطونها ليست مبعثرة هنا وهناك، وإنّما هي مصفوفة بشكل أنيق﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ( ).
وغرفهم هي الأخرى على شكل طوابق نضيدة تعلو بعضها، وفي أسفلها تجري الأنهار الرقراقة﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ( ).

إظهار الجمال أم كتمانه؟
وإذا كان البعض يظنّ بأنّ المؤمن يلزم أن يكون فقيراً ازورّت روحه عنه الدنيا، يلبس الثياب الخلِقة البالية، ولا يصحّ له أن يُظهر أيّ شكل للجمال عليها؛ لأنّ الدنيا إنّما هي للأشرار، والدار الآخرة للمؤمنين.
إذا كان هذا ظنّ البعض المرتدي لبوس الدين فإنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ يهتف في المؤمنين: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( ).
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ( ).
ويأمرهم أن يتزيّنوا عند ذهابهم للمسجد، فيتقلّدون سلاحهم، ويلبسون الثياب النظيفة، ويتطاير العطر الفواح من جوانبهم، وعندما يريدون أن يطعموا فليأكلوا وليشربوا أطيب الطعام من دون إسراف أو تبذير: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( ).

القائمون على عملية التجميل:
وتجميل الأشياء عملية يقوم بها عديدون كلّ بحسبه، ومنهم: 
1ـ الله:
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ زين الجميل المعنوي (كالأيمان) والمادي (كأنواع متع الحياة):
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ( ).
﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ).

2ـ الشيطان:
وفي الطرف المقابل يقف الشيطان ـ العدو المبين للإنسان، والذي يتحيّن به الفرص ـ يجمّل له القبيح؛ ليغريه به ويوقعه في شراكه الوبيلة:
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ( ).

3ـ الأصحاب:
وأصحاب الإنسان وأصدقاؤه لهم الدور الكبير في تزيين الأشياء له؛ ليمهِّدوا له طريق الإغراء:  
﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ( ).

4ـ الشركاء:
والذين يتخذهم الإنسان شركاء متبَعِين، يسلم لهم عقله وقلبه، ويجعلهم القدوة في فعله وسلوكه، قد يقومون بتجميل أقبح الأشياء وأفظعها، فهل يمكن أن يرى أحد أنّ قتل أولاده وفلذات أكباده شيء جميل؟!
﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ( ).

أسباب زوال الجمال:
ولأنّ الله جعل عالم التكوين عالم أسباب، وجعل أمام الإنسان أسباباً يستطيع أن يتعامل معها، ويقدِّر حياته وفقها، فقد أوضح الله له مجموعة من العلل التي من شأنها أن تزيل رونق الجمال، وتخسف البهاء الساكن في الأشياء، ومنها:

1ـ العوامل الطبيعية:
فالشمس والرياح والرطوبة وتقادم الزمن تبلي كلّ جديد، وتنخر جسد الحُسن والجمال، وهكذا يذوي الشجر، وتخبو ابتسامة الزهر، وتغيض المياه، وتبهت الألوان في الرسوم واللوحات، وينطفئ سحر الخدود وفتنة العيون وطراوة الملمس:
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا( ).
وهذه حال الحياة الدنيا التي لا تستطيع أن تقاوم عوامل التغيّر والتفسّخ والزوال، فلا الجبل العاتي يقاوم عوامل التعرية، ولا الأشجار تقاوم عتو تبدّل الفصول، ولا المياه تصرع بواعث الجفاف.

2ـ العوامل التشريعية (المعصية):
فكما هناك أسباب طبيعية هناك أسباب في مخالفة التشريع؛ لأنّ الله ربط عالم التكوين بعالم التشريع، وما هما إلا تسميتان للسنن الإلهية المرخاة على الوجود، وكما أنّ الطاعة لله تنشّط عالم التكوين لصالح الإنسان، فتغدق عليه السماء هتون مياهها، وتخرج له الأرض معدنها وكنوزها وخيراتها، ويمده الله بأموال وبنين:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا( ).
فكذلك الحال مع المعصية، فالمعصية والذنوب لها آثار تكوينية أخروية ستظهر في الآخرة، ولها آثار تكوينية دنيوية تسفع بيدها القاسية فاعل الذنب في الدنيا، وتمسح بأنفه التراب، وتسلب منه نعمة الجمال الذي وهبه الله أن يتقلب فيه:
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ( ).

3ـ العوامل الاجتماعية (الظلم والتجاوز):
وقد وضع الله لكلّ شيء حداً ودائرة لا يصح الخروج من ربقته، حدود الإنسان تجاه نفسه، وحدوده تجاه الآخرين، وحدوده تجاه الطبيعة، لكنّ الإنسان طالما كسر القيد، وتخطى الحدود.
فكم أنعم الله على أحد، فاطمأنّ للنعمة وكفر بالله، واستغلّ النعم ضد الله، وراح يتمادى علواً وفساداً، وحمل الظلمَ والتجاوز معولاً يهدم به كلّ شيء، يهدم به حياته، ويتطاول به على الآخرين: 
﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * ..... وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا( ).

تجارب جمالية:
وقبل أن نسدل على البحث ستار الانتهاء نقف – باختصار- مع مجموعة من التجارب الجمالية البديعة التي حكاها القرآن الكريم، وتمت في أمم سابقة.

1- سدّ مأرب وجِنان سبأ:
ومن التجارب الجميلة للأمم السابقة سد مأرب الذي بنته سبأ، وكانوا يحتجزون فيه المياه، ثمّ يستثمرونها في عملية السقي للجنان الزاهرات حوله التي سمّاها الله ـ لجمالها الشامخ ـ: ﴿آيَة، فلما أعرضوا دمرهم الله بسيل العرم من ذلك السدّ: 
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ( ).

2- إرم ذات العماد:
ووصل البشر قديماً إلى مستوى تقني بحيث بنوا مدينة (إرم) الخلابة، التي نُسجت حولها الكثير من الأساطير والإسرائيليات، لكنّ القرآن الكريم يقرّ أنّها عند موازنتها بغيرها من المعمار البشري القديم تتفوّق عليه وتبزه: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ( ).

3ـ مصانع عاد:
لقد كان أهل قبيلة (عاد) يبنون في كلّ طريق أو مكان مرتفع بناء شامخاً كالجبل، يعبثون ببنائه، ويعبثون بالمارة به، كما يبنون حصوناً وقصوراً وحياضاً مترعة للماء، ويستدرون عيون الأرض، ومن حولها البساتين والزروع، فشهد نبيهم هود بجمال عمرانهم الباذخ، وعبّر عنه بأنّه ﴿آيَة، وقال لهم: 
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ *  وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ( ).

4- بيوت ثمود الصخرية:
وفي حين كانت الأمم تبني بيوتها من خشب الشجر، أو من الطين والتراب والحجر، كان الناس في مدينة (ثمود) يبنون بيوتهم نحتاً في الجبال الصخرية، فكيف كانوا ينحتون في الجبال بيوتاً فارهة فخمة، وما هي الأدوات التي تمكنوا بها ذلك، وكيف استصلحوا الجبال وأشادوا عليها البساتين اليانعة الثمار، وكيف فجّروا الصخور الصم ماء وعيوناً؟!
لعلّ في ذلك كثيراً من الأسرار الخفية التي لم يدوِّنها التاريخ بجلاء.
ولنبصر النبي صالح يصف لنا ذلك: 
﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ( ).
﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ( ).

5ـ سدّ ذي ا لقرنين:
ويسير ذو القرنين في الأرض ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا( ).
ولسنا ندري كيف استطاع ذو القرنين أن يصهر الحديد والعملية تحتاج إلى درجة عالية جداً تصل إلى 1200 درجة مئوية ( )؟، ثمّ كيف نقله وهو منصهر؟، وما الجسم الذي يحتمل ذلك؟، وكيف صبّه بين الجبلين (الصدفين)؟، وكيف صبّ عليه النحاس المذاب (القِطْر)؟!

6ـ ما بناه الجنّ لسليمان :
وكان النبي سليمان يسخِّر الجنّ ليبنوا له قصوراً ومساجد (محاريب)، وصوراً مجسّمة من نحاس وغيره (تماثيل)، وأواني طعام ضخمة كأنّها أحواض المياه (جفان كالجواب)، وقدوراً ثابتات على المواقد لعظمها (قدور راسيات):
﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( ). 

7ـ قصر سليمان الممرّد:
يقول القرآن الكريم عن الملكة بلقيس: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( ).
فلما قيل لها: ادخلي ساحة القصر (الصرح)، حسبتها ماء غزيراً (لجة)، بركة منبسطة مستلقية في باحة القصر، فكشفت عن ساقيها؛ لئلا تبتل ثيابها، فأخبرها النبي سليمان أنّها ليست ماء، وإنّما هي ساحة قصر مملّس ومعَدّ من زجاج شفّاف يبدو للناظر وكأنّه لجّة!!
إنّه بلّور صافٍ صفاء الماء، إلى حدّ أنّه يخدع البصر، ويظنّ من يراه أنّه يقتحم بركة ماء غزيرة، لقد صُقل ذلك الزجاج، وصُفت ذرّاته بحيث تماسكت في صورة منبسط مائي.

8- جنتا صاحب الجنتين: 
لقد كان منظرهما فاتناً حقاً، فكيف رُتبت زروعهما وأشجارهما، وما شكلهما الخلاب الذي كانتا عليه؟!
يقول القرآن الكريم: 
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا( ).
 

 

  • المصادر والمراجع:

ـ القرآن الكريم.
ـ التونجي، الدكتور محمد. المعجم المفصّل في الأدب. ط 1. بيروت/ لبنان: دار الكتب العلمية، 1413هـ/ 1993م.
ـ الحرّاني، الشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة (ت القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي). تحف العقول عن آل الرسول . ط 5. بيروت/ لبنان: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1394هـ/ 1974م.
ـ حمدان، نذير. الظاهرة الجمالية في القرآن الكريم. ط 1. جدة/ السعودية: دار المنايرة، 1412هـ/ 1991م.
ـ ابن حنبل، الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد (ت 241هـ/ 855م). مسند الإمام أحمد ابن حنبل. ط 1. بيروت/ لبنان: مؤسسة التاريخ العربي، ودار إحياء التراث العربي، 1412هـ/ 1991م.
ـ الخالدي، الدكتور غازي. علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية. د ط. دمشق/ سورية: منشورات وزارة الثقافة، 1419هـ/ 1999م.
ـ الرازي، الشيخ محمد بن أبي بكر (ت بعد 666هـ/ بعد 1268م). مختار الصحاح. د ط. بيروت/ لبنان: مكتبة لبنان، 1419هـ/ 1999م.
ـ الشامي، صالح أحمد. الظاهرة الجمالية في الإسلام. ط 1. بيروت/ لبنان: المكتب الإسلامي، 1407هـ/ 1986م.
ـ غلاييني، الشيخ مصطفى بن محمد سليم (ت 1364هـ/ 1944م). جامع الدروس العربية. مراجعة وتنقيح: الدكتور عبد المنعم خفَاجة. ط 26. بيروت وصيدا/ لبنان: المكتبة العصرية، 1412هـ/ 1992م.
ـ الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ/ 1415م). القاموس المحيط. ط 1. بيروت/ لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1412هـ/ 1991م.
ـ القيس، امرؤ (ت 80 ق هـ/ 545 م). شرح ديوان امريء القيس. تحق: حسن السندوبي. ط 7. بيروت/ لبنان: المكتبة الثقافية، 1402هـ/ 1982م.
ـ مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع. الموسوعة العربية العالمية. ط 2. الرياض/ السعودية، 1419هـ/ 1999م.
ـ المجلسي، العلامة محمد باقر (ت 1111هـ/ 1699م). بحار الأنوار. ط 4. بيروت/ لبنان: مؤسسة أهل البيت ، 1409هـ/ 1989م.
ـ مطر، الدكتورة أميرة حلمي. مقدّمة في علم الجَمال. د ط. القاهرة/ مصر: دار النهضة العربية، د ت.
ـ ابن منظور، محمد بن مكرّم بن علي الأنصاري (ت 711هـ/ 1311م). لسان العرب. تنسيق: علي شيري. ط 1. بيروت/ لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1408هـ/ 1988م.
ـ النيسابوري، الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ/ 874 م). الجامع الصحيح (صحيح مسلم). د ط. بيروت/ لبنان: دار المعرفة، د ت.

 

(1) هذه الدراسة في أصلها عبارة عن بحث مقدّم لمادة (علم الجمال) ـ ضمن متطلّبات الماجستير في تخصص الأدب والنقد ـ، بإشراف الدكتور معجب سعيد الزهراني، جامعة الملك سعود بالرياض/ السعودية، قدّمت في 1423هـ.
(2) ابن منظور، لسان العرب 2/ 363، والفيروزآبادي، القاموس المحيط 2/ 515، والرازي، مختار الصحاح/ 98، والدكتور محمد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب 1/ 320.
(3) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 106.
(4) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 108.
(5) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 109.
(6) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال، مصدر سابق/ 20.
(7) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 108.
(8) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 35.
(9) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 163
(10) الدكتور محمد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب 1/ 320.
(11) الدكتور محمد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب 1/ 321.
(12) الشيخ مصطفى غلاييني، جامع الدروس العربية 1/ 160.
(13) الشيخ مصطفى غلاييني، جامع الدروس العربية 1/ 185.
(14) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/9ـ 10.
الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/24.
(15) مؤسسة أعمال الموسوعة، الموسوعة العربية العالمية 8/ 446.
(16) الدكتور محمد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب 1/ 321.
(17) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 109.
(18) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 100.
(19) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 101.
(20) الدكتور محمد التونجي، المعجم المفصّل في الأدب 1/ 321.
(21) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 109ـ 110.
(22) سورة النحل، الآية 6.
(23) سورة يوسف، الآية 18.
(24) سورة الحجر، الآية 85.
(25) سورة الأحزاب، الآية 28.
(26) سورة المزمل، الآية 10.
(27) سورة التغابن، الآية 3.
(28) سورة آل عمران، الآية 14.
(29) سورة السجدة، الآية 7.
(30) سورة المطففين، الآية 24.
(31) سورة القيامة، الآية 22ـ 23.
(32) سورة يونس، الآية 11.
(33) سورة الأعراف، الآية 26.
(34) سورة الأعلى، الآية 17.
(35) سورة الصافات، الآية 6.
(36) سورة الكهف، الآية 46.
(37) سورة التغابن، الآية 15.
(38) سورة الأنبياء، الآية 35.
(39) سورة طـه، الآية 131.
(40) سورة الأعراف، الآية 24.
(41) سورة عبس، الآية 31ـ 32.
(42) سورة الفتح، الآية 29.
(43) سورة الحـجّ، الآية 5.
(44) سورة النمل، الآية 60.
(45) سورة البقرة، الآية 69.
(46) سورة الصافات، الآية 46.
(47) سورة الزخرف، الآية 71.
(48) سورة القصص، الآية 41ـ 42.
(49) سورة المائدة، الآية 100.
(50) سورة النساء، الآية 2.
(51) سورة الملك، الآية 5.
(52) سورة الصافات، الآية 6ـ 7.
(53) سورة النحل، الآية 5ـ 8.
(54) سورة ص، الآية 30ـ 32.
(55) سورة سبأ، الآية 13.
(56) سورة البقرة، الآية 69.
(57) سورة الإنسان، الآية 11.
(58) سورة الانشقاق، الآية 9.
(59) سورة النمل، الآية 60.
(60) سورة محمد، الآية 15.
(61) سورة الطور، الآية 17ـ 24.
(62) سورة الصافات، الآية 41ـ 49.
(63) سورة التوبة، الآية 72.
(64) سورة الزخرف، الآية 71.
(65) سورة الفتح، الآية 29.
(66) سورة الجنّ، الآية 1ـ 2.
(67) سورة هود، الآية 72ـ 73.
(68) سورة الكهف، الآية 17.
(69) سورة الكهف، الآية 9.
(70) سورة الرعد، الآية 5.
(71) سورة الكهف، الآية 61.
(72) سورة الكهف، الآية 62.
(73) سورة الكهف، الآية 63.
(74) سورة الكهف، الآية 64.
(75) سورة طـه، الآية 73.
(76) سورة القصص، الآية 60.
(77) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 88.
(78) سورة الحديد، الآية20.
(79) سورة الرعد، الآية 26.
(80) سورة الأنعام، الآية 108.
(81) سورة المائدة، الآية 100.
(82) سورة القصص، الآية 41ـ 42.
(83) سورة الحـجّ، الآية 24.
(84) سورة الأنفال، الآية 36ـ 37.
(85) سورة الأعراف، الآية 33.
(86) سورة الحجرات، الآية 12.
(87) سورة الأعراف، الآية 157.
(88) سورة الصافات، الآية 62.
(89) امرؤ القيس، شرح ديوان أمرئ القيس، تحقيق: حسن السندوبي/ 162.
(90) سورة التين، الآية 4.
(91) سورة غافر، الآية 64.
(92) سورة آل عمران، الآية 14.
(93) سورة الأحزاب، الآية 52.
(94) سورة الروم، الآية 21.
(95) سورة الكهف، الآية 46.
(96) سورة الكهف، الآية 46.
(97) سورة الفجر، الآية 20.
(98) سورة آل عمران، الآية 14.
(99) سورة الحـجّ، الآية 23.
(100) سورة الكهف، الآية 31.
(101) سورة الواقعة، الآية 15ـ 16.
(102) سورة النحل، الآية 6، 8.
(103) سورة البقرة، الآية 69.
(104) سورة الكهف، الآية 7.
(105) سورة الحـجّ، الآية 5.
(106) سورة ق، الآية 7ـ 11.
(107) سورة آل عمران، الآية 14.
(108) سورة ق، الآية 6.
(109) سورة الملك، الآية 5.
(110) سورة الصافات، الآية 6ـ 7.
(111) سورة الحجر، الآية 16.
(112) سورة إبراهيم، الآية 24ـ 25.
(113) سورة النساء، الآية 86.
(114) سورة النحل، الآية 125.
(115) سورة العنكبوت، الآية 46.
(116) سورة البقرة، الآية 204.
(117) الإمام أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد 1/ 515، والشيخ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول/ 45، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار 76/ 290ـ 291 (والنصّ للمجلسي).
(118) سورة فصلت، الآية 34.
(119) سورة الحجر، الآية 85.
(120) سورة المزمل، الآية 10.
(121) سورة الأنعام، الآية 108.
(122) سورة النمل، الآية 4.
(123) سورة السجدة، الآية 7.
(124) سورة الأعراف، الآية 32.
(125) سورة الأعراف، الآية 31.
(126) سورة المنافقون، الآية 4.
(127) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 93.
(128) الدكتورة أميرة حلمي مطر، مقدّمة في علم الجَمال/ 93ـ 94.
(129) مقدّمة في علم الجَمال/ 65.
(130) مقدّمة في علم الجَمال/ 93.
(131) سورة البقرة، الآية 69.
(132) سورة طـه، الآية 73.
(133) سورة طـه، الآية 8.
(134) سورة المؤمنون، الآية 14.
(135) سورة الحـجّ، الآية 58.
(136) سورة يونس، الآية 109.
(137) سورة آل عمران، الآية 150.
(138) سورة المؤمنون، الآية 29.
(130) سورة يوسف، الآية 64.
(140) سورة المؤمنون، الآية 109.
( ) مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم 1/ 93، والإمام أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد 4/ 13 و 4/ 151.
( ) سورة الكهف، الآية 7.
( ) سورة آل عمران، الآية 14.
( ) سورة الأعراف، الآية 26.
( ) سورة يوسف، الآية 18.
( ) سورة المزّمّل، الآية 10.
( ) سورة الحجرات، الآية 7.
( ) سورة النحل، الآية 125.
( ) ابن منظور، لسان العرب 2/ 363.
( ) الفيروزآبادي، القاموس المحيط 3/ 515.
( ) سورة آل عمران، الآية 14ـ 15.
( ) سورة التوبة، الآية 24.
( ) سورة الواقعة، الآية 17ـ 26
( ) سورة الواقعة، الآية 27ـ 37
( ) سورة الصافات، الآية 47.
( ) سورة الواقعة، الآية 19.
( ) سورة الحديد، الآية 20.
( ) سورة الزمر، الآية 21.
( ) سورة الأعراف، الآية 24.
( ) سورة النساء، الآية 77.
( ) سورة النحل، الآية 96.
( ) سورة غافر، الآية 39.
( ) سورة النساء، الآية 57.
( ) سورة الكهف، الآية 107ـ 108.
( ) سورة الفرقان، الآية 76.
( ) سورة الجنّ، الآية 23.
( ) الدكتور غازي الخالدي، علم الجمال: نظرية وتطبيق في الموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية/ 81.
( ) سورة الحجر، الآية 16.
( ) سورة الكهف، الآية 7.
( ) سورة يوسف، الآية 31.
( ) سورة سبأ، الآية 13.
( ) سورة الكهف، الآية 7.
( ) سورة نوح، الآية 15ـ 16.
( ) سورة الفجر، الآية 7ـ 8.
( ) سورة الأعراف، الآية 32.
( ) سورة الحجر، الآية 39.
( ) سورة النحل، الآية 63.
( ) سورة يوسف، الآية 53.
( ) سورة آل عمران، الآية 14.
( ) سورة الزخرف، الآية 35.
( ) سورة آل عمران، الآية 15.
( ) سورة النحل، الآية 30.
( ) سورة القصص، الآية 83.
( ) سورة القصص، الآية 60.
( ) سورة العاديات، الآية 8.
( ) سورة الكهف، الآية 7.
( ) سورة التغابن، الآية 15.
( ) سورة الأنبياء، الآية 110ـ 111.
( ) سورة النساء، الآية 86.
( ) سورة الرحمن، الآية 60.
( ) سورة الكهف، الآية 30ـ 31.
( ) سورة النحل، الآية 14.
( ) سورة الحـجّ، الآية 23.
( ) سورة الأعراف، الآية 26.
( ) سورة يونس، الآية 24.
( ) سورة الزخرف، الآية 33ـ 35.
( ) سمات الجمال مأخوذة ـ كعناوين ـ من (نذير حمدان، الظاهرة الجمالية في القرآن الكريم، ص 223ـ 240).
( ) سورة ق، الآية 6.
( ) سورة الملك، الآية 3.
( ) سورة الانفطار، الآية 6ـ 7.
( ) سورة التغابن، الآية 3.
( ) سورة ص، الآية 27.
( ) سورة الأنبياء، الآية 16.
( ) سورة القمر، الآية 49.
( ) سورة السجدة، الآية 7.
( ) سورة التغابن، الآية 3.
( ) صالح أحمد الشامي، الظاهرة الجمالية في الإسلام/ 238.
( ) سورة نوح، الآية 15.
( ) سورة الطلاق، الآية 12.
( ) سورة الأنعام، الآية 99.
( ) سورة ق، الآية 10.
( ) سورة الصافات، الآية 165ـ 166.
( ) سورة الصف، الآية 4.
( ) سورة الغاشية، الآية 8ـ 16.
( ) سورة الطور، الآية 20.
( ) سورة الزمر، الآية 20.
( ) سورة الأعراف، الآية 32.
( ) سورة القصص، الآية 77.
( ) سورة الأعراف، الآية 31.
( ) سورة الحجرات، الآية 7.
( ) سورة القصص، الآية 60.
( ) سورة الأنفال، الآية 48.
( ) سورة فصلت، الآية 25.
( ) سورة الأنعام، الآية 137.
( ) سورة الكهف، الآية 45.
( ) سورة نوح، الآية10ـ 12.
( ) سورة سبأ، الآية 15ـ 16.
( ) سورة الكهف، الآية 35ـ 42.
( ) سورة سبأ، الآية 15ـ 16.
( ) سورة الفجر، الآية 7ـ 8.
( ) سورة الشعراء، الآية 128ـ 134.
( ) سورة الشعراء، الآية 146ـ 149.
( ) سورة الفجر، الآية 9.
( ) سورة الكهف، الآية 93ـ 97.
( ) مؤسسة أعمال الموسوعة، الموسوعة العربية العالمية 9/ 127.
( ) سورة سبأ، الآية 13.
( ) سورة النمل، الآية 44.
( ) سورة الكهف، الآية 32ـ 44.