إلى الداخل العوامي
محاكمة النوايا- في أدب الاختلاف وحدوده الشرعية (5)
يُعد تجاوز الخلاف العوامي الذي أنتجته الأزمة الراهنة بين الأشخاص والأطراف والخطوط الفكرية والثقافية وما تخلله من تجاوزات أخلاقية، وتعديات شرعية، وضرورة التأسيس لعلاقة مجتمعية إيجابية عنوانها الثقة والترابط والاحترام المتبادل، مما يصعب تحقيقه في ظل ما نشاهده من تصاعد وتيرة الشحن والتهييج النفسي، وتتابع جرعات البرمجة السلبية، التي تستهدف النيل من المؤمنين الصادقين، والعاملين المخلصين، والتشكيك في صدقهم الديني والتزامهم الأخلاقي والاجتماعي، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.
ولا يخفى أن التحامل على أي مؤمن أو أي جهة أو جماعة، والاستغراق العميق في محاكمة نوايا المؤمنين، أو توجيه مواقفهم وكلماتهم بطريقة سيئة تقدح في صدقهم وإخلاصهم، أو تنتهي إلى تحريك الظنون السيئة ضدهم، وتسقيطهم وتخوينهم، مما يندرج تحت: "إساءة الظن" المعلوم حرمته ببداهة الفقه.
ومن أظهر ما دل عليه، قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) تحذيرٌ لكم أيها المؤمنون من أن تغفلوا عن محامل الخير، وتتركوا توجيه الأعمال الطيبة الخيرة لإخوانكم بالتوجيهات الحسنة الجميلة، فتنساقوا وراء كثيرٍ من الظنون، والخواطر، والمحامل والانطباعات السيئة، بدافعٍ من التحامل أو العصبية، فيقودكم ذلك إلى التطرف في تقييم من يخالفكم في الرأي والموقف والاتجاه، والتحرك ضده بحركة سلبية انفعالية، تؤجج الخصومة، وتقوض الثقة، وتهدم أسس التعاون والتلاحم الاجتماعي، بدون أن تعتمدوا على معطيات دقيقة، تبرر لكم الصدام أو الانفعال.
وقوله تعالى: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) لأن كثيراً من الظنون السيئة التي تقدح في إخوانكم المؤمنين، تنطلق من معيطات ركيكة، و قرائن هزيلة، وتوجيهات متحاملة لا يمكن للعقلاء المنصفين أن يعتمدوا عليها في استخلاص نتائجهم وإصدار أحكامهم بصورة حاسمة وقطعية، وأنتم تصدرون نتائجكم وأحكامكم اعتماداً عليها، وتتحيزون بها ضدهم، فحملتم أنفسكم الآثام، بمهاجمة الصادقين والمخلصين، الذين يقضون ليلهم ونهارهم في التطوع، وخدمة إخوانهم المؤمنين.
وقال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) إلفاتٌ إلى الأصول الأخلاقية التي ينبغي لكم أن تتمسكوا بها وأنتم تستقبلون الشائعات المغرضة أو التوجيهات المتحاملة التي تدعوكم للطعن في إخوانكم المؤمنين، أو التشكيك في نهجهم وأسلوبهم، بأن تتجاوزوا المحتملات السلبية التي تظهر بدواً من أفعالهم، وتحملوها على المحامل الإيجابية التي تنسجم مع صدقهم وإيمانهم، بل وتدحضوا ما يُواجهونه من إشاعات مضللة، ودعاوى مُنمقة، وتوجيهات متحاملة، بالكلمة المُحكمة والبرهان المتين.
وقد جاء عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:"ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً".
- وانطلاقاً مما تقدم نوصي بما يلي:
1- ضرورة تجنب محاكمة النوايا والتحامل على المؤمنين والجماعات والجهات العاملة، أو توجيه مواقفهم وكلماتهم بطريقة سيئة تقدح في صدقهم وإخلاصهم، أو تنتهي إلى تحريك الظنون السيئة ضدهم، لما في ذلك من تأجيج للخصومة، وتقويض للثقة، وهدم أسس التعاون والتلاحم بين المؤمنين.
2- التمسك بالأصول الأخلاقية التي تدعو إلى حمل ما يصدر عن المؤمنين على محامل الخير، وتوجيه أعمالهم بالتوجيهات الحسنة الجميلة، التي تنسجم مع صدقهم وإيمانهم.
3- ضرورة التصدي لما يقال في حق المؤمنين من إشاعات مضللة، ودعاوى مُنمقة، وتوجيهات متحاملة، ودحضها بالكلمة المُحكمة والبرهان المتين.