مجلة «العصر الكويتية» تُجري حواراً مع الشيخ الصفار

سماحة حجة الاسلام الشيخ حسن الصفار حفظه الله

• الأمم سابقت الريح نحو الحضارة ونحن ما زلنا نجادل حول صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟
• الحركات الإسلامية في الغالب لا تقدم نموذجاً مشرقاً للإسلام من خلال ممارساتها.
• نحن نعيش صداماً حضارياً عنيفاً بين الإسلام المتداول وبين الحضارة الغربية.

 البطاقة الشخصية

حسن موسى رضي الصفار. من مواليد مدينة (القطيف) في المملكة العربية السعودية عام 1957م. درس العلوم الدينية في حوزتي النجف وقم، ويعتبر شخصية مهمة في الحوار بين التيارات والمذاهب الإسلامية. ساهم في إثراء المكتبة الإسلامية عبر تأليف أكثر من أربعين كتاب.

• لو عرفنا الشخصية الإسلامية.. ما هو التعريف المتكامل لهذه الشخصية؟

- تمتاز الشخصية الإسلامية بصفتين رئيسيتين:

الصفة الأولى الوعي، والثانية الفاعلية.

أولاً: نقصد بالوعي معناه الشامل، فالشخصية الإسلامية تعي وجودها، وتدرك أن هذا الوجود ليس عبثاً ولا صدفة، وإنما خلق الإنسان لكي يؤدي وظيفة ذات أهمية بالغة، والعنوان العام لهذه الوظيفة هو عبادة الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ، ولكن هذه العبادة تتمظهر عن طريق عمارة الكون والاستفادة من ثروات الطبيعة ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا . وتحمل مسؤولية عمارة الكون باعتبار كون الإنسان خليفة الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض يقول تعالى: ﴿ ِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً . ولأن الله تعالى قد منح الإنسان قدرة هائلة وهي العقل، وميزه من خلاله على سائر الكائنات من أجل أن يعرف ما في هذا الكون من حقائق وأسرار، كي يوظفها لصالح البشرية، وهذا ما تعبر عنه الآية المباركة: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء أي علمه الحقائق والمسميات، فشخصية المسلم يفترض أنها تعي هذا الكون وسننه وأنظمته ومعادلاته. وأخيراً فإن الشخصية الإسلامية تعي الواقع الاجتماعي الذي تعيشه، وهذا ما كرر الحديث حوله القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿  سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا  .

ثانياً: إن الشخصية الإسلامية لا بد أن تكون فاعلة في محيطها، في حركة دائبة مبتعدة عن السكون والفتور، فإن شخصية الإنسان تمتاز ببعدين هامين:

الأول: كونها تمتلك قابلية التأثر بما يدور حولها من أحداث.

الثاني: إمكانية التأثير على المحيط، فلا يصح أن تكون الشخصية الإسلامية ذات بعد واحد، وهو وجود قابلية التأثر فقط، أو أن تتأثر أكثر من تأثيرها على المحيط، وإنما لا بد أن تتحلى ببعد الفاعلية والتأثير، وبكلمة أخرى لا بد أن تكون محركة للأحداث، وتعطي أكثر مما تأخذ، وتؤثر أكثر مما تتأثر.

• هل هناك أولويات تراها من صميم شخصية المسلم؟

- بالطبع؛ الأولوية الأولى، وهي في الواقع ليست أولوية تصنف كموضوع، بمقدار ما هي روح ومنهج يعيشه المسلم، هي طاعة الله سبحانه وتعالى، وطاعة الله سبحانه وتعالى لا تستحضر في الممارسات التي اصطلحنا عليها بأنها ممارسات عبادية فقط، لأن المسلم يطيع الله تعالى في كل حركة من حركاته، كما يقول تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  فطاعة الله والخضوع له هو الأساس الذي تتمحور حوله حياة الإنسان المسلم.

والأولوية الثانية هي المعرفة والعلم، فالشخصية المسلمة لابد أن تتحلى بأفق واسع في المجال العلمي والمعرفي خصوصاً ما يدور حوله من أحداث وأن يكون مدركاً للقضايا الاجتماعية.

والأولوية الثالثة: خدمة الناس وقضاء حوائجهم ونفعهم، كما ورد في الحديث الشريف«خصلتان ليس فوقهما من البر شيء الإيمان بالله والنفع لعباد الله».

• لماذا فشلت الشخصية الإسلامية في التفاعل مع الحياة لتكون عنصراً منتجاً وفعالاً؟

- لعل من أهم تعلك الأسباب هو تخلف الوعي، فإن وعي الإنسان المسلم لوجوده ودينه وواقعه أصبح وعياً ناقصاً ومتخلفاً، وبسبب هذا التخلف كانت النتيجة الطبيعية هي التخلف في الواقع الذي يعيشه الإنسان المسلم، ولو نظرنا إلى الاهتمامات التي يعيشها أبناء البشر، لوجدنا أن هناك مساحة كبيرة من البشرية تعيش الاهتمام بقضايا الكون وما يرتبط به، وقضايا العلم وبكل ما يرتبط بالطبيعة، وتطوير حياة وواقع الإنسان، ويسعى لكشف أكبر قدر ممكن من أسرار الكون التي تساهم في تقدم البشرية، ولم يتركوا جانباً ولا زاوية من زوايا هذا الكون الواسع إلا وفكروا في الوصول إليها بما يساعد على فهم أوسع يصب في خدمة نوع الإنسان، غزوا الفضاء وغاصوا في أعماق المحيطات، ولكن حينما نتأمل الاهتمامات في عالمنا الإسلامي، نجد بأننا ندور في حلقة مفرغة، ما زلنا نناقش القضايا النظرية والتاريخية والهامشية، فهذا ما يدور في واقعنا الإسلامي، وما ذاك إلا لأننا لم نعِ الهدف الأساس من وجودنا.

إن الله تعالى لم يخلقنا كي نهتم بالجزئيات وقضايا تاريخية سابقة، والقرآن الكريم مع أنه قد تحدث عن كثير من قضايا التاريخ، ولكن تركيزه كان لأخذ العبرة والاستفادة منها، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً  ، فلم يعطِ مساحة كبيرة للجزئيات. إن هذه الاهتمامات الجزئية وهي التي تجعل الإنسان المسلم بعيداً عن الوعي الأساس، الوعي بالكون والحياة والوظيفة الهامة، والقرآن قد وجه الإنسان كي يتأمل، يقول تعالى: ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .

• هناك من يتهم الإسلام بأنه خلق شخصية نمطية للمسلم تفتقر إلى المرونة لهذا هي غير قادرة على التفاعل مع المتغيرات؟

- أولاً: لابد أن نفرق بين الإسلام كشريعة ومنهج وبين المفاهيم الإنسانية للإسلام وقضاياه، ونحن إن كنا نلوم من يخرج بينهما، إلا أننا في الواقع نجد لهم عذراً في هذا الخلط بين ما فهمه المسلم وبين الإسلام.

ثانياً: إن ما فهمه المسلمون من الإسلام يخلق هذه الشخصية النمطية، وبالطبع ليس الإسلام الأصل هو الذي يخلق هذه النمطية، بل ما فهمه البشر من الإسلام هو الذي يكرس هذه الحالة.

فالإسلام الحقيقي الذي ينبغي اكتشافه من خلال منابعه الأساسية، من خلال القرآن الكريم وسنة الرسول وروايات أهل البيت ، لا يولد هذه الحالة، بينما الإسلام من خلال الفهم السائد عند أكثر المسلمين ينطبق عليه هذا الوصف، فغالبية المسلمين يعيشون حالة نمطية وتحجر، وإلا كيف نفسر أن أمة أكثر من نصفها مشلول، وهو المرأة! فما زال النقاش حول صوت المرأة ووجهها هل هو عورة أم لا؟ وهل لها دور في الشأن العام أم لا؟ وهل يصح أن ترشح أو تنتخب أم لا..؟

هذا التفكير تفكير نمطي متخلف، إن الأمم قد تخطت هذه الحالة وسابقت الريح نحو الحضارة، ونحن ما زلنا في ذلك الجدل.

إن المفاهيم الإسلامية الحقيقية تعيش غربة بسبب انتشار الفهم الخاطئ للإسلام في أوساط المسلمين أنفسهم ففي الحديث «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً».

• البعض يختصر فشل الشخصية الإسلامية بالقدوة، عدم توفر القدوة للشباب، كيف ترى ذلك سماحة الشيخ؟

- فيما يرتبط بالحالة الإسلامية لدينا مشكلتان:

الأولى: مشكلة الفهم الصحيح.

الثانية: مشكلة النماذج التطبيقية كشخصيات وبرامج، هنا يوجد لدينا خلل كبير، فإن كثيراً من الإسلاميين حينما يقدمون الإسلام قد ينجحون في تقديمه على المستوى النظري والفكري بشكل رائع، ولكنهم قد يتعثرون غالباً في تقديم النموذج الأمثل عن طريق الحالة الفعلية الخارجية.

ولو أردنا أن نأخذ مثالاً على ذلك ـ الحركات الإسلامية ـ هذه الحركات عندما تقرأ واقعها الفعلي وتشكيلتها الداخلية وممارساتهم في الساحة، نجد بأنهم في الغالب لا يقدمون نموذجاً مشرقاً للإسلام، من خلال ممارساتها، إذن هناك مشكلة فهم وفكر، ومشكلة نموذج خارجي تطبيقي، سواء أكان يتمظهر في شخص أم في حالة واقعية تسير على الأرض أو تمارس نشاطاً أمام الناس.

هذه المفارقة تشكل ازدواجية، وبالتالي تفتقد المصداقية، فلا يتفاعل معها الناس إلا سلباً.

•  مم تتكون شخصية المسلم المعاصر ومن أين يأخذ نموذجه، سماحة الشيخ؟

- يصوغ شخصية المسلم أمران:

الأول: تتشكل من خلال الثقافة السائدة التي جزء منها من الإسلام، ولكن لا تمثل كامل البرنامج والفهم الإسلامي. فالثقافة الموجودة هي مؤثر كبير في وجود الإنسان المسلم وفي شخصيته.

الثاني: الأعراف والتقاليد، فإن البيئة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان المسلم أصبحت عنصراً أساسياً في تشكيل شخصيته، ولذلك قد نجد بعض المسلمين رغم أنه يدرك أن بعض ممارساته ليست سليمة ولكنه يخضع للبيئة التي يعيش فيها.

• هل نقول أن البيئة التي تعيشها الشخصية الإسلامية بيئة غير صحية؟

- نعم.. البيئة التي يعيش فيها المسلم بيئة غير صحية، فالمصدر الأول هو التراث الثقافي السائد بما فيه من خلل، والمصدر الثاني البيئة الاجتماعية التي يعيشها المسلم، وهناك مؤثر ثالث وهو الاصطدام مع الحضارة الغربية، فالصدمة النفسية التي يعيشها المسلم تجاه الحضارة الغربية، وما تنتجه هذه الصدمة من انبهار أو رفض، هذا أيضاً أعطى انعكاساً على شخصية الإنسان المسلم.

• طيب سماحة الشيخ: ما هي البيئة الصحية المفروض أن نوفرها لشخصية المسلم؟.

- في ظني أن من أهم الأشياء التي يجب أن تتوفر في البيئة الاجتماعية الصحية هو الحرية، بأن يعيش الإنسان المسلم في بيئة تعترف بالحرية للإنسان، الحرية الفكرية، الحرية السياسية، وسائر الحريات المختلفة التي يتنعم به الإنسان، هذا أولاً، وثانياً: الاعتراف بدور العقل ومرجعيته، فإن كثيراً من بيئاتنا تربي الإنسان على تجميد وإلغاء عقله، خضوعاً للموروثات أو الزعامات أو لتقاليد وأعراف، لذلك تسود بعض الخرافات والأساطير، لو درسها الإنسان المسلم بعيداً عن ضغط البيئة لما قبل بها.

• سماحة الشيخ: هل تقول بأن شخصية المسلم المعاصر ناقصة؟

- إن شخصية الإنسان المسلم متخلفة عما يرسمه الإسلام من شروط الشخصية الإسلامية، ومن شخصية الإنسان الذي تطور من خلال التجارب البشرية.

إن تجارب البشر قد تطورت وخطت خطوات متقدمة جداً، كما هو الحال بالنسبة للمجتمعات الصناعية المتقدمة، والمستقرة سياسياً واجتماعياً، فالإنسان الذي ينتمي لتلك المجتمعات يعيش وضعاً متقدماً على وضعية الإنسان المسلم، الذي قيد نفسه بالماضي وبالبيئة الثقافية الخاطئة، ولم يستفد من خلال التجارب البشرية التي مرت عليه مما أدى ذلك لبقاء المسلم في حالة الجمود.

• أبرز النواقص التي تلاحظونها في شخصية المسلم.. سماحة الشيخ؟

- لا يمكن أن يتقدم الإنسان المسلم بدون الوعي، فالوعي واستعادة الوعي هي آلة التقدم، هذا من جانب، ومن جانب آخر الاهتمام بالناس وخدمتهم، فمن الغريب حقاً أن نجد ظاهرة العمل التطوعي متقدماً في مجتمعات نعتبرها مادية، بينما نحن الذين نعتبر أنفسنا نؤمن بالقيم والمبادئ وبالآخرة كما يقول القرآن الكريم: ﴿ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ  مع ذلك نرى أن التطوع لا زالت مسيرته متعثرة، والإقبال على العمل الخيري والتطوعي محدوداً، وإذا ما عمل جماعة على هذا المستوى فإن العمل يكون ضمن حدود ضيقة، لا تتعدى قرانا ومناطقنا وبلداننا وأهل طريقتنا ومذهبنا، بينما نجد التطوع في المجتمعات المتقدمة يأخذ بعداً إنسانياً، نحن المسلمون يجب أن يكون دورنا دوراً إنسانياً بما نحمله من قيم ومبادئ يقول تعالى: ﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ  ، ونحن للأسف قد تخلينا عن هذا الدور.

• ألا ترى أننا صرفنا الكثير في المحافظة على شخصية المسلم في مقابل تطوير هذه الشخصية؟

- هناك حالة من القلق الموهوم والمضخم، لأننا نتصور أن أي تطوير أو تغيير أو انفتاح سوف يؤدي إلى إذابة شخصية المسلم ومسخها، ونخشى أن يتنازل الإنسان المسلم عن مبادئه وعقيدته، هذه الحالة التي تنتابنا هي العائق أمام تطور الإنسان المسلم.

• يلاحظ عقلية الخوف من كل جديد في شخصية المسلم، فهو إما في حالة صدام مع كل جديد أو قبول كلي لهذا الجديد، ألا ترى سماحة الشيخ أننا في أمس الحاجة بأن ننمي فن التعامل مع المتغيرات في شخصية المسلم؟

- المشكلة أن الأمة التي تتوقف عن الإبداع والإنتاج، تصاب بارتداد وهزيمة نفسية، فهذه الاختراعات والاكتشافات لا تشترك الأمة في إنتاجها، وإنما تنتجه أمم أخرى، وكونها منتجة من أمم أخرى، وأن بيننا وبين هذه الأمم مسافة من التقدم العلمي، هذا هو الذي يسبب حالة من الشعور بالهزيمة والقلق.

إن العلاج هو أن تتجاوز الأمة هذه الحالة التي فرضتها على نفسها، ولتتحول إلى موقع المبادرة والإنتاجية، وليس في موقع الاستهلاك فقط.

وهناك مشكلة أخرى نعاني منها أيضاً وهي في مصادر الثقافة الدينية المتوفرة، فهذه المصادر لا تزال تعيش حالة القلق بسبب عجزها عن مواكبة المستجدات، وهي التي تؤكد هذه الحالة السلبية في نفوس أتباعها وقاعدتها ومحيطها، تحذرهم من كل جديد، لأنها لا تفهم هذا الجديد ولا تستطيع أن تتعاطى معه بشكل جيد.

اعتقد أن ما نعيشه الآن في هذه الفترة من صراع وصدام الحضارات، سيقرر واقع الأمة، فهل ستستجيب لهذا الصراع وتثور على معوقات التقدم الموجودة عندها، أم أنها تزداد انطواء وانكفاء، وبالتالي تصبح أكثر هامشية في هذه الحياة، وتفقد المساحات الكبيرة من أبناءها وأتباعها. أنا أعلق أهمية كبيرة على ما يدور الآن من صراع، فنحن لم نرد صدام الحضارة، بل غيرنا بدأ هذه المعركة، وقد حصلت حماقات في داخل المسلمين أعطت فرص لمعركة صدام الحضارات، في الواقع نحن نعيش صداماً حضارياً عنيفاً بين الإسلام المتداول وبين الحضارة الغربية.

• هل يعني هذا أن نظرية هنتنغتون حول صدام الحضارات أصبحت قائمة؟

- نعم، إن تلك النظرية أصبحت قائمة، ونحن لم نرد أن تتحقق هذه النظرية بهذه الصورة، لكن ما حصل من حماقات من بعض المسلمين، وممارساتهم للعنف والإرهاب ـ وللآخرين دور فيما حصل ـ أصبحت المعركة الآن معركة فعلية.

ونحن حينما نجد أن الحجاب في فرنسا يمنع وأن المسلمين تعاق حرية نسائهم في ممارسة حجابهم الإسلامي، كذلك حينما نجد استبياناً في الولايات المتحدة الأمريكية، أن 26 إلى 28% من الشعب الأمريكي يعتقدون أن الإسلام دين عنف وحقد وكراهية، فهذا يعني أن هناك صداماً حقيقياً بين الحضارات، فلا يجدينا أن نلوم الآخرين على هذا الصدام، أو أن نتحدث عن عدوانية الآخرين علينا، وإنما يجب أن يدفعنا إلى مراجعة ذاتنا لأننا بالفعل عندنا ثغرات ونواقص، وإلا كيف نريد للعالم أن يقبلنا مع هذه الأعمال الإرهابية التي تمارس باسم الإسلام.

• تحضرني سماحة الشيخ مقولة تأخذ من المسلمات وهي »المتقدمون لم يتركوا للمتأخرين شيئا« وهي أشبه بالثقافة السائدة، ألا تنعكس هذه المقولة سلباً على شخصية المسلم؟

- اعتقد أنها مقولة غير صحيحة، إن الأمة الإسلامية كلما تطور بها الزمن والتجربة يصبح أبناءها في مستوى أرقى، وفي مدرسة أهل البيت   نرى أن الإمام الحسين يعتبر أصحابه أفضل من الأصحاب السابقين حيث يقول: »لا أعلم أصحاباً خيراً وأوفى من أصحابي«، كما لدينا روايات أن النبي  كان جالساً يوماً مع أصحابه، فرفع يديه بالدعاء وقال: »اللهم لقني إخواني« قيل: يا رسول الله أولسنا إخوانك؟ قال: »أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون في آخر الزمان يكون أجر الواحد منهم أجر خمسين منكم« قالوا: كيف ونحن قد نزل فينا القرآن وشهداً أحداً وبدراً؟ فقال: »إنكم لو تحملون ما حملوا لن تصبروا صبرهم«.

وهنا يعني أن التحديات التي سيواجهها الجيل الآخر ستكون أكثر من التحديات التي واجهها السابقون، فالحقائق تدل على أن البشرية في مرحلة تطور وتكامل، ونحن نؤمن بأن عصر الإمام المهدي المنتظر ، هو العصر الذي تتكامل فيه المعرفة وقيم الإسلام وكل الأنبياء السابقين، وبالتالي نحن نختلف مع النظرة التي ترى التاريخ في مسيرة تنازلية، نعتقد أن مستوى البشرية في مسيرة تصاعدية وتكاملية وليس تنازلية.

• ألا ترى سماحة الشيخ بأننا في أمس الحاجة أن ننمي الجانب المادي في شخصية المسلم الذي أغفل كثيراً في مقابل الجانب الروحي لكي يتم التوازن في شخصية المسلم؟

الإسلام دين يدعو إلى التوازن بين الروح والمادية، وبين الاهتمامات الدنيوية والأخروية، ولأن الإنسان يعيش في الدنيا، فالأولوية للتفكير في وضعه في هذه الدنيا، وينقل لنا القرآن الكريم الدعاء عن المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً .

إن هذا العصر عصر طغت فيه الاهتمامات المادية، فنحن بحاجة إلى إثارة الجانب الروحي، ولكن المشكلة إن الاهتمامات الروحية المثارة في مجتمعاتنا اهتمامات جزئية ومحدودة، فحينما نتحدث عن الاهتمامات الروحية تنصرف الأذهان إلى الدعاء والتهجد أو إقامة الصلاة فقط، بينما الاهتمامات الروحية أكثر من هذا، فهي تعني الاهتمام بالناس، فالعامل الروحي لا يتمظهر فقط في الصلاة والصوم، وإنما الصلاة والصوم يجب أن تكون آثارهما في العمل الإنساني.

• لو خيرت بين ثلاث صفات تصف بها المسلم أو ما يجب أن يكون عليه المسلم، بأي صفة تصفه، هل هو المحافظ، الوسطي، التجديدي؟

- التعقل هي الصفة الرئيس، بأن يرجع إلى عقله، وكما ورد في الحديث الشريف: »أساس ديني العقل« فالمسلم هو ذلك الإنسان المتعقل الذي يعود إلى عقله.

•  إلى أي مدى يمكن أن يكون المسلم زاهداً في الحياة دون أن يؤثر هذا على إنتاجه الحضاري؟

- يخطئ الكثير من الناس في تفسيرهم لمعنى الزهد، فالزهد في معناه الحقيقي ألا تأسره شهوات الحياة، وهناك نص شرعي: »ليس الزهد ألا تملك الشيء، وإنما الزهد إلا يملكك الشيء«. فالزهد الحقيقي ألا يكون الإنسان أسيراً للرغبات والشهوات، وليس معنى الزهد أن لا يستمتع الإنسان بالحياة الدنيا ونحن نرى أن الإنسان المؤمن هو الذي كان ينتج أكثر، فأمير المؤمنين  كان نشيطاً، زرع أراضٍ كثيرة وحفر أباراً كذلك لمصلحة الناس والمجتمع. فالزهد لا يعني ضعف الفاعلية والاستثمار لثروات وخيرات الكون. وكذلك كان الإمام الصادق حيث روي عنه أنه كان يخرج في وقت الظهيرة ليعمل وكان يقول: «أن لي ما يكفيني ولكن أحب أن يراني الله وأنا أتعرض لطلب الحلال».

• هل هناك إضافات أغفلناها في الشخصية الإسلامية وتريد إيضاحها.. سماحة الشيخ؟

- الشخصية الإسلامية يجب أن تتحلى بصفة القدرة على الانسجام والتعايش واحترام الآخرين، ولكن للأسف أن الحالة السائدة عندنا أن الإنسان المتدين غالباً ما يكون منطوياً ومنغلقاً، يحاول أن يبتعد عمن يخالفه في الدين أو المذهب والرأي، فهذه حالة سلبية خاطئة، والإنسان المسلم هو ذلك الإنسان المنفتح على الآخرين مهما اختلفوا معه في الدين أو الرأي أو التوجه، الذي يتعامل معهم على أساس إنساني، والقرآن الكريم يقول: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ  ولم يقل كرمنا المسلمين أو المؤمنين، ولكن بني آدم بشكل عام، فالإنسان المسلم يجب أن يهتم بحسن العلاقة مع الآخرين.

• ما هي أبرز الشخصيات الإسلامية الذي تعد نموذجاً للمسلم في كل العصور؟

-إن أبرز شخصية عندنا نحن المسلمين، هو رسول الله  وفي الدرجة الثانية هي شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

فهذه الشخصية العظيمة كلما قرأها الإنسان ازداد إعجاباً بها، وكلما تطورت حياة البشر وتكاملت الحالة الإنسانية، تألقت أمام الإنسان شخصية علي بن أبي طالب أكثر، إذ أن شخصية الإمام علي شخصية عظيمة، وهي تدل على عظمة المربي وهو رسول الله .

إن من أكثر معاجز رسول الله تربيته لعلي بن أبي طالب، ومن أكثر تجليات عظمة رسول الله  أنه قدم للبشرية شخصية علي بن أبي طالب.

• سماحة الشيخ ما هي النصيحة التي تقدمها للشباب المسلم لبناء شخصيته؟

- أنصح بأمرين:

الأمر الأول: العودة لمنابع الدين من خلال النصوص الصحيحة الواردة من ومن خلال سير المعصومين ، أن نأخذ الدين من مصادره الأصيلة، وليس من خلال الخطابات السائدة في مجتمعنا، ولا من التقاليد والأعراف.

الأمر الثاني: الانفتاح على التجارب البشرية المتقدمة، للاستفادة منها، بأن نرى كيف يسير الناس حياتهم في المجتمعات الأخرى، وما هي نقاط قوتهم، وما هي الأسباب التي جعلتهم في موقع متقدم، ونستفيد من هذه التجارب.