هكذا كان أبي ...

ككل مرة ... أحتار بكلماتي الأولى وأتعثر ثم ما أفتأ أراها تنهال وكأنها تأتي من العدم ...
حكاية قبل النوم ... قصص نتناقلها أنا وأمي ... وربما أختي ... الأكبر ... عما نتذكره وعما نعرفه ... تخيلوا على مر ستة أعوام ماذا سيبقى ...؟؟ قصص مكررة ... تحكيها أمي بأسى ... وأحكيها أنا لأمي بابتسامة ... ونسمع كلتانا ذات القصص ... ونبتسم وربما نضحك .. كأننا نسمعها للمرة الأولى ... ثم تبدأ أمي عتابها الليلي لأبي ... وعن أن الكثير قد فاتها ... ولم يسعفها الوقت بالكلام معه فيه ... وأبدأ أنا بالتفكير ... بجملة ألقاها علي أبي ذات يوم ... بتبصيراته المعتادة ( سيكون عليك واجب نقل حياتي لأختيك الصغيرتين .. سأرحل مبكراً بحيث لن تحتفظ ذاكرتهما الغضة بالكثير ... بيد أنك ستفعلين )

ما زلت أقف عند تلك الجملة مبتسمة ... من ثقة أبي بي ... والتي يعرف المقربون أنه كان يكيلها بلا حساب ...لأني وبكل صراحة ... حين أمر بذاكرتي ... أشعر أني نسيت ... ولم تبق سوى غصة .. تقف في آخر حلقي تمنعني أحياناً عن الكلام ....غصة رحيله .... فقط .

ذات يوم ... جمعتني مكالمة مع أحد أصدقاء أبي ... حدثني فيها عن أبي قليلاً .... كم شعرت بالسكون .. وبرغبة .. تنتزعني للبكاء .. كررنا القصص كثيراً ... حتى بات الجديد يشجي .
قررت يوماً قبل أن يطيح بي خرف ما ... أن أكتب ... لعلي أجمع شيئاً ... وكلما كتبت ... مزقت.. أشعر أن لا شيء يقال .. ما عاد في جعبتي الكثير وحين جئت للكتابة هنا ... أملت أن أكتب هذه المرة دون استدرار المشاعر ... أن أكتب عن الشيخ لا عن الأب ... لكني ما استطعت ... ربما لأني عرفت الأب وكنت بطلة أو سيدة الدور فيه .. ربما يطلب مني البعض الكتابة .. لكني لا أجد في علاقتي بالشيخ ما يدعوني للكتابة ... تريدون معرفة الشيخ .... و جل ما أعرفه هو الأب... ربما لهذا عزفت عن الكتابة 
مع كثير من الناس ... تضطر للحديث ... مع أبي وحده .... تضطر للصمت ... وعلى الأقل أنا ...

حتى حين كنت أريد شيئاً منه ... كان يسبقني بإحضار الشيء دون أن أقول ... مدللة أبي ... نعم كنت كذلك ... وحين أتذكر ذلك ... أشعر بالغصة تزداد ... لا حزناً على ما فقدت ... بل حزناً على ما لم تجده أخواتي ..

من لها بأب مثلي ..؟؟ أعلم أنه سيجيبني ... كل فتاة بأبيها معجبة ... وسيقول ... من له بنات مثلي لا بد أن يكون مثلي

حين ذكرت له ذات يوم ... أن صديقتي تطلب من والدها الكثير ولم يجبها حتى بالقليل ... كان يقول ... وأنتن لا تطلبن شيئاً فلا يليق بكن إلا الكثير ...

هكذا كان أبي ...

هكذا هو الأب الذي لم تعرفه أخواتي وهكذا هو الجد الذي لم يعرفه أبنائي ... ولا أظنهم سيعرفون ... إلا عبر ثرثرتي المعتادة

بعضهم حفظ أمانة أبي .. ( الشيخ ) بمتابعة كتبه .. ونشر علمه

والآخر عبر آيات يقرأها كلما مر بقبره ... ( أحدهم قال لزوجي أنه يتمنى إيصالي للكلية .. فقط ليمر على منزل والدي .. ليتذكر أن يقرأ الفاتحة كل صباح )

وقلة أخرى عبر ذكر أهله ... بناته الثلاث ... ( وأما اليتيم فلا تقهر )

شكراً ... لكل من فكر بطريقته الخاصة ..

الأهم أني حفظت أمانة أبي ... ولو عبر الثرثرة عند أخواتي

رحم الله من يقرأ الفاتحة على روحه الزكية ...

 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد احمد
[ ام الحمام - القطيف ]: 9 / 5 / 2007م - 2:37 م
رحمم الله شيخنا الفاضل

وادام الخماسي المبارك ، طلبة الشيخ وطاقم مكتبه .

وحشرهم معم محمد وال محمد