الرسول (ص) والثورة الأولى

 
قد تحصل لأناس غفلة، أو انحراف عن الطريق الصحيح، أو مرض جسمي فلابد من علاج لتلك الأمراض سواء في جسم الإنسان أو في كيان البشر جميعا.

العلاجات قد تكون بسيطة، وقد تكون على مستوى أوسع وأعمق، وفي كل الأحوال لابد منها لتصلح ما قد فسد فيها.

فإصلاح البشر يكون إما عبر الرسل أو عبر نهوض الثوار الإصلاحيين.

فهناك ثورتان إصلاحيتان في الأمة مرتبطتان ببعضهما بعضاً، وكل واحدة منهما تمهد للأخرى، وقد مرت ونجحت فيما قامت به هذه الشخصيات من نهوض، والثالثة هي الأمل إلى جميع المسلمين، ويتفق المسلمون عليها كل بحسب رأيه، وهذه الثورات هي: الأولى رسالة الرسول محمد بن عبدالله، كان الناس قبل رسالة الرسول في تيه من أمرهم يعبدون الأصنام، ويشربون الخمور، ويئدون البنات، ويقتاتون القد والورق أذلة خاسئين، يتحكم بهم ويظلمون ويصب عليهم العذاب الشديد.

وكانت تسودهم القبلية والعرقية، القوي منهم يأكل الضعيف، وكانت المرأة مضطهدة في جميع الأحوال، والكبرياء والعظمة عند أهل مكة وقريش، هي المسيطرة على الوضع العام، حتى جاء الرسول ونهض بالأمر وبلغ الرسالة خير تبليغ وأرسى المبادئ والأخلاق، وساوى بينهم، ووحد الصف بين الغني والفقير، والقوي والضعيف، والأسود والأبيض، وساوى بين العرب والعجم، ففي الحديث الشريف عن الرسول الكريم «لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى».

بهذه الهزة والثورة العارمة أصلح المجتمع الغارق في المتاهات، ونشر هذه الصحوة إلى جميع العالم، وذلك لما تحلى به هذا الرسول من أخلاق وقيم حيث قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

أما الثورة الثانية هي: ثورة الإمام الحسين التي أخبر عنها الرسول وبشر بها؛ لأنها «لم تكن قضية صراع على سلطة أو ملك، ولا مواجهة تستهدف عائلة أو شخصاً في موقع الحكم، إذاً لانتهت بانتهاء طرفي الصراع والمواجهة، كما هو حال سائر النزاعات السياسية والمصلحية، بل كانت قضية رسالة ومبدأ ثار الحسين للدفاع عنها ونهض للتبشير بها، إذ رأى أمة جده تنسلخ من رسالة الإسلام وتسودها مخالفة لقيمه ومفاهيمه، وتحكمها فئة مخالفة لهديه وتشريعاته».

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، حديث رقم (648) بسنده عن عبدالله بن نجي، عن أبيه أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: صبرا أبا عبدالله صبرا أبا عبدالله بشط فرات، قلت: وماذا؟ قال عليه السلام: دخلت على النبي ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك احد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرائيل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني ان فاضتا.

هذا دليل وغيره يدل على أن ثورة الحسين منصوص عليها من الله ورسوله وأهل البيت وأن غالبية المسلمين يعتقدون بذلك.

وثورة الإمام الحسين ثورة إسلامية خالصة وهي طلب الإصلاح في أمة جده، إذ قال : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». عندما رأى أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه وحلل كل حرام وحرم كل حلال هنا ثار .

هاتان الثورتان من صميم التاريخ الإسلامي هدفهما الإصلاح في الأمة، والأمل في الثورة الثالثة، وهي: الثالثة هي ثورة الأمل المنتظرة

وهي التي يقوم بها المهدي المنتظر، وتؤكد الأحاديث المتواترة كقوله : «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا ثم يخرج رجل من عترتي، ومن أهل بيتي يملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وعدوانا» أخرجه أحمد (3/36).

فثورة الإمام المنتظر هي الخاتمة وهي الأمل وهي الثورة التي تنتظرها جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ويتم على يديه الإصلاح في هذه الأمة بما تمر عليها من مزالق وفتن وحروب طاحنة.

ماذا حدث للأمة بعد بعثة النبي وثورة الإمام الحسين؟

وماذا حصل بالأمة في انتظار ثورة الإمام المهدي؟

إن هذه الحروب، والفتن الطائفية دليل انحراف الأمة عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، بعد أن كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، صارت أمة تفرخ الفتن والطائفية البغيضة التي تنخر في أعماق المسلمين وصارت أمة متنازعة قد هيمن عليها الأميركيون والصهاينة المعتدون، وصار المسلم لا يأمن من أخيه المسلم بعدما جاء الرسول بالأمن المؤاخاة بين المسلمين.

ولذلك نبقى على أمل، نرقب الثورة الثالثة التي تخلصنا من هذه المناحر، والفتن التي لابد لها من نهاية يقودها المهدي المنتظر إلى جميع المسلمين.