قيم يحتاجها الطالب

شبكة مزن الثقافية

 

في خضم الظروف الدموية التي يمر بها العالم من «قتل، إرهاب، تطرف تخريب» يقف الانسان على مشارف مستقبل غامض يترقب بخوف وقلق وضع البشرية ضمن دائرة الابادة الجماعية، ويتساءل: كيف يمكن احتواء هذا التطرف؟ وهل تستطيع القوانين ان تحقن دماء الابرياء السيّالة على ارصفة الموت الموحشة؟ شباب في عمر الزهور كانوا وقودا لمحرقة بشرية دفعوا فيها العمر الثمين بالمجان.

فالإرهاب بذرة نمت وترعرعت في تربة لها خصوصية معينة ومناخ محدد، نحتاج من «علماء النفس» والباحثين ان يجندوا طاقاتهم ودراساتهم لمعرفة سيكولوجية هذا الارهابي الذي يلغم نفسه طعما للموت ويفخخ جسده الفتي ثارا للعدم، وهذا الوضع يستدعي الانتباه، اذ نحتاج ان نقف موقفا جديا من هذه المسألة ونقنن ثقافة من نوع خاص تغذيها قيم انسانية بشكل يومي، هذه الثقافة ينبغي ان تدخل ضمن مناهجنا التربوية وفي اطار المدرسة حيث يقضي الطالب فيها معظم وقته وفي اجوائها تتبلور شخصيته.

  • أهم هذه القيم:

- ان يتعلم الطالب كيف يخطط لاحلامه وهدفه في الحية، فلا ينبغي ان يترك دون توجيه لشخصيته بكل ما تملك من طاقات، فالطالب يدخل المدرسة ويخرج دون ان يعرف ما هو هدفه في الحياة، هل سيكون طبيبا، مهندسا، صورة مستقبلية تشحذ همته وترسم له نهجا وهدفا اشبه بالطاقة الحرارية التي تشحن ذاته بحماس، ليدرس، ليذلل العقبات، ليكون الشخص الذي يحلم به دائما كي لا يلتفت الى القضايا التي تبدد طاقته.

- الثقة بالنفس، من ضرورات الشخصية الناجحة المتكاملة، ان يشحن المدرس الطالب باستمرار بأنه رجل المستقبل، مفعم بالايجابيات والمزايا، له افضل المواهب والقدرات التي تمكنه من ان يثبت جدارته، ونجاجه، وان يحقق المعجزات، فتحطيم معنويات الطالب وتسفيه رأيه، والتقليل من شأنه يولد عنده شعورا بالنقص والدونية فيبحث عن تعويض خارجي لسد هذا النقص.

- القدوة ضرورية للطالب خصوصا في سن المراهقة، انه في هذه المرحلة العمرية ميال للمشاهير، للعظماء، للناجحين، للنجوم، الاقوياء، الابطال، يتأثر بهم، ويحاول ان يحذو حذوهم، فتعزيز مقدراته واستخراج ميوله يحتاجان الى شواهد من الواقع والتاريخ تثبت ان الانسان عملاق خلاق في طاقاته فكيف نجح هؤلاء؟ وما سيرهم وبرامجهم؟ اسلوبهم في الحياة؟ اثراء الطالب بهذه السير الحديثة العهد والقريبة من نفسه فاتركوا الشخصيات التي ابادها الزمن وهي من العصر الحجري، حدثوه عن المخترعين، العباقرة، الادباء، رجال الاعمال المكتشفين، نجوم من العصر الحديث، فلا ينقاد الى زعامات تحرضه على الدمار عبر غسل الدماغ.

- يحتاج الطالب ان يشعر باهميته وقيمته وذلك من خلال الاطراء، التشجيع وكلمات الشكر والامتنان التي لها مفعول السحر في نفسه، انه سينفعل بطريقة سوية وسيفهم الناس وحاجاتهم وفقا لحاجاته الخاصة كانسان.

- ان يتعلم فن الحوار مع الاخر باسلوب حضاري الغرض منه ان يخرج الاثنان معا وهما فائزان، حققا معا مكسبا معنويا وفائدة عززت من قيمة الحوار كتفاعل وتواصل انساني وليس اسلوب الغالب والمغلوب، فانها بذرة عدوانية تكبر معه وتتحول الى حقد احيانا ان فشل في مناقشة ما.

- ان يسعى باستمرار على التكيف مع ذاته والتصالح مع نفسه ولا يحاول ان يبدو شخصا غير ذاته، فالتشبه بالآخرين وتقليدهم دليل على عدم قناعة الانسان بنفسه، وهذا الاحساس يجره الى عقد نفسية واحباطات تدفعه الى التنفيس عبر مسالك غير سوية.

- ان يتعلم كيف يكون مستمعا جيدا حتى للاشخاص الذين لا يتفق معهم فكريا وان يصغي باحترام وتقدير لان في ذلك تعبيرا عن احترامه لذاته.

- ان يعتذر دون مكابرة ويسامح دون استعلاء غارسا قيم المحبة والتآلف مع الآخرين والتعامل بروح الاخوة والصداقة فان هذه القيم الفاضلة تحول حتى الخصم الى حبيب كما يقول الله سبحانه «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34).

- حينما يتعلم ان الله خلق الشعوب والقبائل والملل والطوائف والاديان ليس عبثا انما لتتعارف وتتآلف من اجل تعمير الارض وبناء الحضارات وليس لالغائهم من الوجود عبر التصفية الجسدية الظالمة.

- ان تعزز في ذهنه ان الاسلام دين السلام وتحيتنا اليومية «السلام عليكم» مهما كان الآخر مضادا لفكري ومعتقداتي فالمسلم الحقيقي انسان مسالم بطبعه.

- الانفتاح الحضاري ضروري لتلاقح الثقافات واثراء التجربة الانسانية من خلال التفاعل مع الشعوب فليس من العقل والحكمة الانغلاق والانسحاب تحت اي تبرير فللآخرين علمهم، مخترعاتهم، اكتشافاتهم، نفيد ونستفيد، ونحن البشر مخاطبون جميعا بأننا نحمل امانة ثقيلة عجزت الجبال عن حملها، فحملها الانسان لانه الاقدر بما يملك من عقل وارادة وطموح.

- استغلال الوقت بكل ما هو نافع ومفيد ومحاولة تشجيعه على خلق هواية تتماشى مع ميوله ورغباته حتى لا يكون عرضة لجماعات ارهابية تصطاد فتية تعاني الفراغ والاحباط والفشل، يسهل اختراقها وتغذيتها بافكار مسمومة.

- ان نغرس في داخله سلوكيات تنمي فيه الذوق الرفيع واللياقة الانسانية والاخلاق الفاضلة ليعرف كيف يخرج للمجتمع انسانا سويا يقدر الاخرين، يحترمهم، يقبلهم على عيوبهم، يوافق على ما يقولونه ويطلبونه، يعبر لهم دوما عن التقدير، يبحث معهم عن نقاط الاتفاق وليس الخلاف، ينظر اليهم بمنظار ايجابي لا سلبي حتى يتخلص من كل طاقة سلبية وعدوانية.

- ان ينطلق في الحياة وفق قاعدة انسانية، فطرية وهي الحب (محبا ومحبوبا) وان يحب للناس ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، عندها ستتلاشى الحواجز النفسية وتذوب الضغائن والاحقاد ونتعايش جميعا تحت مظلة الانسانية الوارفة.

- توعيته كي لا يقع فريسة للافكار المضللة والمعتقدات الباطلة التي تبثها شبكات الانترنت الاجرامية والجماعات التخريبية المتطرفة.

فإذن خلق شخصية سوية وناجحة للطالب تتم من خلال المدرسة والتفاعل اليومي الذي يستهلك معظم وقته وطاقته، ان الالتزام بهذه القيم ستخلق منه انسانا هادفا يبرمج حياته من اجل غاية عظيمة فلن يبدد جهده وعمره الثمين في مزاعم باطلة.

المصدر : جريدة القبس الكويتية بتاريخ 7/10/2005