الاختراق الأمريكي للمجتمع البحراني

 

يتناول المقال التالي تجربة شخصية سابقة مررت بها -قبل ثلاث سنوات تقريباً- مع المعهد الأمريكي الوطني الديمقراطي (NDI) الذي يحظى برعاية رسمية ودعم ملكي، وهي تبين الأبعاد الخفيّة لمثل تلك المؤسسات الأجنبية ودورها الكبير في اختراق عقل المواطن البحراني وصياغته بصورة سلبية تخدم السياسة الأمريكية. وليس ببعيد أن يصدر الاعتراف الرسمي لهذه المؤسسة المرفوضة شعبياً، ويباركها الملك علناً.. خصوصاً وهي تستعد لطرح مشاريع وبرامج عمل تمهد كافة فئات المجتمع وأحزابه السياسية للتعاطي مع التجربة النيابية القادمة، هذا بالرغم من تعقيدات المسألة الدستورية واختلاف الآراء والمصالح بين الحكومة والمعارضة والقوى الدينية والسياسية... أقول ذلك لعلنا نستيقظ مبكراً ونتعلم الدرس!!

 وقد يستغرب القارئ الكريم ويتساءل حول ماهية الأسباب التي دفعتني لكشف تفاصيل هذه الحادثة بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً من وقوعها!! حيث لم أكشف عن تفاصيل هذه التجربة ألا للمقربين بسبب عدم إطمئناني حينذاك بمسار الأحداث الداخلية المتسارعة في البحرين بعد قبول معظم الرموز الدينية والسياسية لمشروع ميثاق العمل الوطني. حيث كان التيار الشعبي بمختلف طوائفه الدينية والسياسية حينها يعيش تجربة جديدة لم تمحص تمحيصاً دقيقاً يؤهل الأمة لدخول اللعبة السياسية التي رسمتها العقلية الحاكمة، ودون أن تفقد توازنها أو تؤثر على مبادئها الأصيلة وهويتها الإسلامية.

 وحينذاك كانت البحرين في بداية انتقالها لمرحلة سياسية جديدة بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، وكنت كبقية الشباب المعارض للمشروع الحكومي الذي نجح في اختراق المعارضة وتفريق كلمتها الموحدة، كما كنت أتفق بالرأي مع أخواني وأخواتي -ضحايا التعذيب والسجون والمنافي- الذين خالفوا منهج الرموز الدينية والسياسية في التعاطي مع مشروع ميثاق العمل الوطني بكل ايجابياته وسلبياته، ودون دراسة وافية وتمحيص قبل دخول المرحلة السياسية الجديدة، وهو الأمر الذي اتضح بعد تداعيات تراجع الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عن الوفاء بوعوده التاريخية!!  وآزاء ذلك كنت أعبر عن رأيي من موقع حبي لديني ووطني جهراً أو علانية حيناً، ولكن كلمتي ظلت مقيدة بسلطة أمنية أو رمزية.. وهو ما سيتضح للقارئ الكريم بعد قراءة هذه الحادثة بتفاصليها الهامة.

 ففي مبادرة غير متوقعة تمت دعوة بعض الشباب البحريني وذلك (مساء يوم الأحد الموافق 14/7/2002م) لحضور حلقة نقاشية نظمتها (مؤسسة إعلامية) وهي مؤسسة بحرينية متخصصة في مجال العلاقات العامة وتنظيم الندوات والمؤتمرات. وتأتي الحلقة النقاشية في إطار سلسلة متواصلة من الحوارات تضم رجالاً ونساءاً، وتقوم تلك المؤسسة البحرينية بتنظيمها بالتعاون مع المعهد الأمريكي الوطني الديمقراطي (NDI) وأحد مراكز البحوث في البحرين، وعلى هامش زيارة وفد أمريكي للبحرين حسبما صرح أحد المنظمين!!

 وبالطبع رأيت بنفسي أنها تجربة تستحق المغامرة، وبحدس الصحفي استطعت أن أخرج من التجربة بملاحظات مفيدة تعبر عن مغامرة مثيرة، وجب الالتفات لها لمعرفة أبعادها الخفيّة وأهدافها الحقيقية التي تمس مستقبل البحرين السياسي والاجتماعي. فأبديت استعدادي للحضور بهدف استطلاع التجربة عن قرب، وما جعلني أشكك في أمر الجلسة النقاشية المغلقة هو طبيعة الإجراءات التي تم اتخاذها لترتيب الحوار الشبابي.

 ففي بداية الجلسة (التي استمرت قرابة الساعة والنصف) تم توزيع استبانة لمعرفة البيانات الأساسية، وكان من بينها سؤال يتعلق بهوية المواطن الطائفية، وانتماءه السياسي، حيث كانت الأغلبية تمثل التيار الإسلامي الشيعي. واكتشفت من خلالها بأنه قد تم اختيار المشاركين بعناية تامة، وأنهم يمثلون تيارات فكرية وسياسية متعددة من مختلف مناطق البحرين، وبالطبع جرى الحوار في أجواء مغلقة، ومع تسجيل صوتي مباشر، وتسجيل آخر منقول لغرفة خارجية !!

 وقد ضمت الحلقة النقاشية أسماء شبابية مثل: (علي عبدالإمام، وائل الخزاعي، ماهر عباس، علي عباس العرادي، حسين علي عبدالله) بالإضافة إلى شخصي المتواضع، وعلمت في وقت لاحق بأن هناك بعض الشخصيات قد تخلفت عن الحضور لأسباب عديدة. وقد أدار الحوار شخص عرف نفسه بأنه كاتب في جريدة الأيام، وهو حالياً يعمل برتبة عسكرية في قوة دفاع البحرين!!

 وفي لمحة سريعة خاطفة استطعت أن أدون أغلب الأسئلة التي طرحت، وهي ذات محاور عديدة تتناول مختلف الشؤون العامة والخاصة. وكانت إجابات الشباب سريعة وتلقائية ومباشرة، وتميل للصراحة والجرأة التي تخلو من الحكمة والتأمل الدقيق قبل إعطاء الجواب. وفيما يلي سرد مفصل للأسئلة التي طرحت، وأترك التعليق والاستنتاج للقارئ الكريم في نهاية المطاف.. وقد جاءت الأسئلة كالتالي:

 1- كيف تسير الأمور في مملكة البحرين؟

2- ما هو أفضل شيء بالنسبة للوضع الحالي؟

3- ما هي أكثر المحبطات بالنسبة لك؟

4- ما هي المشاكل أو القضايا التي لها أولوية للحكومة؟

5- (شخصيات غير حكومية).. ما هو رأيك (إيجاباً أو سلباً) في الشخصيات التالية: (عادل إمام، إبراهيم العريض، كوفي عنان، عبدالرحمن النعيمي، الشيخ علي سلمان، الشيخ عبدالأمير الجمري، الشيخ عبداللطيف المحمود).

6- (شخصيات حكومية).. ما هو رأيك (إيجاباً أو سلباً) في الشخصيات التالية: (الملك، رئيس الوزراء، ولي العهد).

7- تحدث عن صاحب العظمة.. (الأمور الإيجابية)؟

8- تحدث عن صاحب العظمة.. (الأمور السلبية)؟

9- (الديمقراطية).. ماذا يتبادر لذهنك عند سماع هذه الكلمة؟

10- ما هي تصوراتكم لما ستكون عليه الحكومة والشعب في ظل الديمقراطية؟

11- ما هو دور الفرد المواطن في ظل الديمقراطية؟

12- ما هو ردك على مقولة (أن الديمقراطية الغربية لا تصلح لمجتمعنا العربي والإسلامي)؟

13- (الإسلام والديمقراطية).. هل من الممكن أن تكون هناك دولة إسلامية ديمقراطية؟

14- هل يتوافق الإسلام مع الديمقراطية؟

15- أيهما أكثر أهمية من الآخر الإسلام أم الديمقراطية؟

16- كيف يمكن للإسلام أن يؤثر في تطوير الديمقراطية في البحرين؟

17- هل للشيعة والسنة حريات في البلاد؟

18- هل للشيعة والسنة حقوق متساوية في البلاد؟

19- هل للشيعة والسنة حقوق متساوية في التوظيف؟

20- (عملية الإصلاح السياسي).. ما رأيك في الدستور الذي طرحه الأمير بعد سنة من التصويت على الميثاق الوطني؟

21- ما هي الأشياء التي تشد انتباهك (من حيث الأفضل والأسوء)؟

22- (مجلس الشورى).. ما هو موقفك من مجلس معين يساوي مجلس منتخب؟

23- هل تعتقد أن فكرة المجلسين تساهم في إيجاد توازن ديمقراطي؟

24- (المجموعات الديمقراطية).. ما رأيك في الأفراد والمجموعات المستقلة التي تحاول أن تعمل بمعزل عن الحكومة لأخذ زمام المبادرة؟

25- هل هذا الأمر جيد أم لا؟

26- ما هي الأمثلة على الأفراد والمجموعات المستقلة؟

27- ماذا عن الجمعيات السياسية التي أنشئت في البحرين؟

28- هل يمكن أن تعطينا أسماء بعض الجمعيات السياسية؟

29- ومن هم قيادات هذه الجمعيات؟

30- هل تختلف برامج الجمعيات عن بعضها البعض؟

31- وهل هناك مجموعات مختلفة من الناس تدعم هذه الجمعيات؟

32- ما رأيك في الأحزاب السياسية؟

33- هل الأحزاب السياسية ضرورية في النظام الديمقراطي؟

34- ما هي إيجابيات وسلبيات الأحزاب السياسية؟

35- هل تختلف الجمعيات السياسية عن الأحزاب السياسية؟

36- (الانتخابات البلدية).. هل شاركت فيها، ولماذا؟

37- كيف قررت التصويت للشخص المرشح؟

38- هل تعرفت على بعض المرشحين من قبل؟

39- هل كنت متأكداً ممن تفضل ترشيحه؟

40- هل من المهم أن ينتمي المرشح لإحدى الجمعيات السياسية؟

41- ما هي الأمور التي لم ترتاح لها في عملية الانتخابات البلدية؟

42- بشكل عام هل كانت الانتخابات البلدية عادلة؟

43- ماذا بإمكانك أن تنصح الحكومة بشأن تعديل نظام الانتخابات البلدية؟

44- لماذا لم يتم انتخاب أية امرأة؟

45- لماذا لم تصوت المرأة لبنات جنسها؟

46- لماذا لم يصوت الرجال بنسبة أكبر من النساء؟

47- (الانتخابات البرلمانية).. هل أنت متفائل؟

48- هل لديك هواجس؟ وما هي؟

49- هل تتوقع أن تكون الانتخابات النيابية عادلة؟

50- هل تعتقد بوجوب السماح بمشاركة المواطنين الخليجيين في الانتخابات النيابية؟

51- ما هو برأيك أهم عامل يجب أخذه في الاعتبار للناخب في البرلمان؟

52- ما هي القضايا التي تهم غالبية السكان في الانتخابات البلدية؟

53- ما هي أولويات البرلمان بعد انتخابات شهر أكتوبر؟

54- ما هي المشاكل الملحة التي تواجه البلاد في هذه الفترة الحرجة؟

55- ما هي أهم العقبات التي تمنعنا من حل هذه المشاكل؟

56- (المستقبل).. هل أنت متفائل أم متشائم؟

57- وماذا عن السنوات العشر القادمة؟

58- ما هي توقعاتك لخارطة البحرين بين دول الخليج العربي؟

59- ما هي توقعاتك لخارطة البحرين بين دول العالم؟

60- هل تتوقع أن تشهد البحرين تغيراً سياسياً جذرياً على المدى البعيد؟

 

وبالطبع خرجت المجموعة الشبابية في نهاية الحوار بملاحظات هامة تعبر عن شكوك حول طبيعة الإجراءات التي تم اتخاذها لترتيب مثل هذا الحوار المغلق، ولذلك وجب الالتفات لهذه التجربة المثيرة لمعرفة أبعادها الخفيّة وأهدافها الحقيقية. والسؤال الأهم يتعلق بماهية الحوار وأهدافه من قبيل.. لماذا تأتي هذه الجلسات الحوارية في وقت حرج يعاني فيه مجتمعنا من ظروف سياسية واجتماعية حساسة جداً؟ وما هو الرابط الذي يجمع بين كل هذه العقول الشابة، ذات التنوع الفكري والسياسي؟! وما هو الدور الحقيقي الذي تقوم به تلك المؤسسة الأمريكية الدخيلة على مجتمعنا؟ وهل تجهل مؤسساتنا الوطنية أهداف وأبعاد وجود مثل هذه المؤسسات الأجنبية؟ وما سر التحالف الاستراتيجي والعلاقة الخفيّة مع النظام الخليفي الحاكم ؟ ولماذا يتم التعتيم إعلامياً على زيارة الوفد الأمريكي للبحرين؟! أو التعتيم على مثل هذه الحوارات والنقاشات ذات الأبعاد الخطيرة على مستقبل الوطن ومصير أبناءه ؟! أسئلة لا زالت تنتظر جواباً.. ولو بعد حين ؟!

 وبلا شك فإن مثل هذه المؤسسات الأجنبية لا تخدم بالضرورة قضايا مجتمعنا العربي والإسلامي، ولا تتفق مع عاداتنا وقيمنا الدينية والأخلاقية، وهي بلا شك محل شبهة بسبب ارتباطها الوثيق مع الأنظمة الأجنبية التي تهدف لحفظ مصالحها الاستراتيجية وإطالة بقاءها في قلب المنطقة العربية، ولعل الهدف الغير مباشر يتمثل في محاولة صياغة العقل العربي المسلم بما يتفق مع نمط الحياة الأمريكية الطاغية على حياتنا وتفكيرنا وعاداتنا اليومية... وقد تكون لنا وقفة أخرى لتحليل مسألة الاختراق للعقل العربي من منظور علم الاجتماع والنفس والسياسة مع إعطاء أمثلة ونماذج حيّة لتشخيص المسألة موضوعياًً.

 وخلاصة القول.. أن السنوات القادمة ستحمل وراءها الكثير من الأحداث الصعبة والفتن العظيمة، ومن واجبنا كشباب يؤمن برسالة التوحيد ومدرسة الإمامة أن نحافظ على قيمنا الأخلاقية وندافع عن ديننا ووطننا وكرامتنا بكل وسيلة ممكنة. وهي محاولة لإستنهاض العقل وعودة الروح ويقظة الإنسان البحراني على جميع المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية... قبل فوات الآوان وقبل أن يؤذن بالرحيل ويصدح لسان الحق بصوت السماء.