ضريبة أم مكافحة؟

ناصر موسى الحسين *

نشرت إحدى الصحف المحلية تسريباً حول توجّه المملكة إلى فتح المجال للوافدين في الاستثمار في المهن الحرة، وسرعان ما نفت وزارة التجارة والاستثمار ما ذكرته الصحيفة دون تفاصيل سوى أنها "تدرس تنظيم ومعالجة ملكية غير السعوديين الذين يزاولون أعمالهم الآن في القطاعات التي تستهدفها لمعالجة التستر، ضمن ضوابط ومعايير محددة مقابل ضريبة دون أن يضطر لممارسة العمل بالتخفي" وأنها تستهدف منح تراخيص إستثمار أجنبي للاستثمارات النوعية.

التسريب والنفي السريع يثير الكثير من التساؤلات، بمقدار ما أثار من ردود أفعال سريعة وغاضبة ضد فكرة القرار، وبغض النظر عما إذا كان الخبر يحمل مصداقية أو أنه مجرد كلام، فإننا أمام فكرة مثيرة بالفعل، وتحتاج إلى نقاش لأننا تعودنا أن تأتي الأمور هكذا: خبر صادم في البداية، يليه نفي من الجهة المعنية، وفي النهاية نجد أنفسنا أمام تنفيذ لما نفته الجهة المسؤولة، إلى حد أصبح الناس ينظرون إلى النفي باعتباره تأكيداً لما سيأتي.
التساؤلات التي يثيرها هذا الخبر تشمل الهدف الحقيقي منه، وتوقيته، والضوابط والشروط، وانعكاساته على الاقتصاد والتجار والناس؟ والإجراءات المقابلة لدعم المستثمر الوطني، وعلاقة القرار بالبطالة، وموارد صرف الضريبة المتحصلة من هذا الاستثمار، وما إذا سيكون الباب مفتوحاً لأي عدد من المستثمرين أم لا؟

الأسئلة المثارة تحتاج إلى إجابات، وبالتأكيد فالموضوع لا يحتمل الكثير من التأجيل من جانب الوزارة من أجل قطع الحبل على الإشاعات، وطمأنة المواطنين المستثمرين في القطاعين المستهدفين وهما المقاولات وتجارة التجزئة، إذ لا يكفي مجرد النفي خاصة مع وجود تأكيد رسمي من الوزارة على أنها تدرس وضع ملكية غير السعوديين في القطاعات التي تستهدفها في مكافحة التستر، ونكاد نجزم أن الخبر المنشور له علاقة بشكل أو بآخر بما توصلت إليه هذه الدراسة، وبالتالي فإن الوزارة مطالبة بالكشف عن النتائج، والابتعاد عن بالونات الإختبار، واعتماد الشفافية في قضايا حساسة كهذه القضية.

وإذا ما عدنا إلى الخبر فسنجد أن القرار يتعلق بمحورين هما مكافحة التستر، وتحصيل الضريبة، لكنه لا يعالج كل الآثار السلبية للتستر التي أقرتها الوزارة سابقاً، مثل الإضرار بالاقتصاد الوطني، والمخاطر الأمنية، والمنافسة غير المشروعة، وزيادة حالات الغش التجاري، ومزاحمة المواطنين في أعمالهم بصورة غير مشروعة، والإسهام في نمو البطالة، وتحويل مليارات الريالات خارج المملكة، واحتكار الأجانب لبعض الأنشطة التجارية، وتزايد أعداد العمالة الوافدة، وزيادة أعباء الإنفاق على المرافق الخدمية والصحية والعملية، وتزايد أعداد المخالفين لنظام الإقامة، ومزاولة كثير من الوافدين للتجارة غير المشروعة.

القرار -أيضاً - لا يوضح أيهما يمثل الهدف وأيهما يكون الوسيلة.. ظاهراً يبدو أن الهدف هو مكافحة التستر، وهو هدف مشروع ، ولكن إذا لاحظنا عدم قدرة القرار على معالجة كل الآثار السلبية للتستر، فإن البوصلة تتجه ناحية توفير سيولة مالية للخزينة، رغم أن الضريبة تحتاج إلى الكثير من الإجراءات الدقيقة لضمان تطبيقها، ولا يمكن الاعتماد على شروط بسيطة مثل إلزام المستمثر بفتح حساب بنكي، وفرض إعتماد الفواتير في التعاملات.
لسنا ضد القرار بشكل مطلق، لكن من حقنا أن نسأل كل الأسئلة السابقة، ونضيف عليها: لماذا وكيف نشأت ظاهرة التستر، ومن أين أتى كل هؤلاء الذين يمارسون التجارة بعيداً عن رقابة الوزارة، وكيف يستطيعون فعل ذلك في ظل أنظمة العمل والإقامة والتنقل، وقبل كل ذلك كيف ستعالج الوزارة ظاهرة البطالة وتحد منها خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي دفعت مجموعة من الشركات إلى تسريح الكثير من الموظفين؟

كاتب وصحفي سعودي