دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

من صفات العظماء على مرّ التاريخ التواضع. ينظرون لإنجازاتهم مهما عظُمت على أنها حقيرة (وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ)، ويشعرون أنه كان عليهم أن يفعلوا ما هو أجلُّ وأكبر، وأنّ بالإمكان دائما أفضل مما كان. ولذا تراهم في سعي دائب لتطوير ذواتهم وأفعالهم. ولعلّ خير ما يمكن استعارته لهم من صفات مناسبة لحالهم الكلمات التالية للإمام علي والتي وردت في وصف المتقين، حيث يقول عنهم: "لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، ولَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ. فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، ومِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ. إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي. اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، واغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ."

وعلى النقيض منهم هناك المعجَبون بأنفسهم على طول الخط، الفرِحون حتى بأفعالهم القبيحة، الباحثون عن المديح الزائف على ما لم ينجزوه أو لم تكن لهم يد فيه. وأمثال هؤلاء لا يتطورون ولا يُطوِّرون، بل هم أساس كل تخلف حضاري. وقد توعّدهم القرآن الكريم في قوله تعالى: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

المصابون بداء العُجب حين يكتب أحدهم سيرته الذاتية، أو تُكتَب له بإيعاز منه، ينسِب إلى نفسه كل إنجاز، ويزيد على ذلك بأن يخترع لها إنجازات وهمية لا حظّ لها في الواقع الخارجي. أما ذوو النفوس العظيمة، فهم على العكس من ذلك تماما. يقول (نيلسون مانديلا) في رسالة إلى البروفيسورة فاطمة مير: "سوف ألتزم العهد الذي قطعناه: لا يمكن لي مطلقا، تحت أي ظرف من الظروف، أن آتي على ذكر الناس بشكل غير لائق... لكن المشكلة أن معظم الأشخاص الناجحين معرضون للإصابة بشكل من الغرور، وأن يتبجحوا أمام الناس بإنجازاتهم الفريدة. يا للطف التعبير عن "مدح الذات" الذي قدمته اللغة الإنكليزية! السيرة الذاتية... كما اختاروا أن يسموها، حيث غالباً ما تُستغل عيوب الآخرين للإضاءة على إنجازات الكاتب الجديرة بالمديح. أشك في أني كنت سأقوم يوميا بالجلوس للكتابة عن خلفيتي. لست أملك لا الإنجازات التي يسعني التبجح بها، ولا المهارة للقيام بذلك. لو أنني عشت متمتعا بالنشاط والجسارة التامين في كل يوم من أيام حياتي، لما تحليت برغم ذلك بالشجاعة للقيام بذلك.  أعتقد أحيانا أنه من خلالي، اختار القدر أن يعطي العالم نموذجا عن رجل عادي بكل معنى الكلمة. لا شيء يغريني بترويج نفسي."

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام